عليهم بالغنى ، ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا لهم في تحقق استعفافهم وربطا على قلوبهم ، وليظهر بذلك أن فضله أولى بالأعفّاء وأدنى من الصلحاء.
وفيه إشعار بأن الصبر والعفة إنما يرغب فيهما عن النكاح مع عدم وجدان ما يتمكن به من التزويج أصلا ، فلو وجد ما يتمكن به منه وان كان قليلا لا ينبغي له أن يرغب عنه بالصبر والعفة. و«حتى» على هذا غاية لعدم الوجدان. ويجوز أن يراد من النكاح الزوجة المناسبة بحاله ، ويكون «حتى» غاية للاستعفاف.
وعلى كل حال ففي الآية إشعار بأنه مع التمكن من النكاح لا يحسن الصبر عنه فهي مؤكدة لما ورد من الحث على النكاح مع التمكن ولا منافاة بينها وبين سابقتها ، إذ الأولى الأمر للأولياء بالانكاح وعدم جعل الفقر مانعا عنه وهذه أمر للأزواج بطلب العفة الى أن يتمكنوا ويجدوا ما يتزوجون به. وعلى هذا فلو بذل أحد للزوج التزويج كان الاولى القبول ، لأنه حينئذ قد وجد نكاحا.
وقد ظهر مما ذكرناه أن الأمر للوجوب ، فان المراد لاستعفاف بمعنى عدم الدخول في الفاحشة ، فكأنه قال لا ينكح العاجزون عن النكاح إلى أن يرزقهم الله القدرة عليه.
هذا ، وقد روى الكليني (١) عن معاوية بن وهب عن ابى عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). قال : يتزوجون حتى يغنيهم الله من فضله. وظاهرها أن الاستعفاف بمعنى التزويج ، وحتى تعليلية ، فيكون فيها دلالة على الأمر بالنكاح لمن لا يجده [ويؤيده ما سلف من قوله صلىاللهعليهوآله «التمسوا الرزق بالنكاح (٢)» ونحوه].
الثالثة : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا
__________________
(١) الكافي ح ٥ ص ٣٣١ ط الآخوندى.
(٢) مر في ص ١٧٣.