ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم
والمعنى لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف ان أمكنكم أن تنكحوه وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه وسد الطريق إلى إباحته. وقيل ان الاستثناء منقطع ، ومعناه ولكن ما قد سلف فإنه لا مؤاخذة عليه.
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) علة للنهي ، أي ان نكاحهن كان فاحشة عند الله ما رخص فيه لأمة من الأمم ممقوتا عند ذوي المروءات ، ولذلك سمي ولد الرجل من زوجة أبيه المقتى ، كذا قاله القاضي ، ومقتضاه أن ذلك لم يكن حلالا في شيء من الأوقات وان كان معمولا به في الجاهلية على ما قيل انه كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه.
وفي المجمع (١) نقلا عن أشعث بن سوار أن أبا قيس لما توفي وكان من صالحي الأنصار خطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني أعدّك ولدا وأنت من صالحي قومك ولكن آتي رسول الله واستأمره ، فأتته فأخبرته بذلك ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : ارجعي إلى بيتك ، فأنزل الله هذه الآية.
ولا دلالة في هذا على جوازها في ذلك الوقت ، فإن النبي صلىاللهعليهوآله كان ينتظر الوحي في الاحكام وان كانت ثابتة قبله في الملة السابقة عليه ، كما سلف في الخمر الذي ورد تحريمها بعد شرب بعض الصحابة ، مع انه لم يثبت جوازها في شريعة كما أشرنا إليه.
الثانية (النساء ٢٣) (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) التحريم في هذه المواضع ينصرف الى الغرض الأصلي المقصود من الذات التي تعلق بها التحريم ، لأنه انما يتعلق بالأفعال لا بالذوات ، فالمراد هنا تحريم نكاحهن ، وهو المتبادر من الإطلاق كما يتبادر الأكل في (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) ونحوها. [فقول بعضهم ان الآية مجملة بناء على أن المراد منها تحريم الفعل وهو غير مذكور ، وليست اضافة قيد التحريم الى بعض الأفعال أولى من بعض. مدفوع بما ذكرناه].
__________________
(١) المجمع ج ٢ ص ٢٦.