(بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) بعضكم طائف على بعض أو يطوف بعضكم على بعض وحذف الخبر أو الفعل لأن الطوافون يدلّ عليه كذا في الكشاف (كَذلِكَ) مثل ذلك التّبيين الّذي بينه لكم في هذه الآية (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) اي الدلالات على الأحكام (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما يصلحكم من الأمور (حَكِيمٌ) فيما يشرع لكم من الأحكام قال القاضي (١) وليس في هذه الآية ما ينافي الاستيذان فينسخها لأنّه في الصّبيان ومماليك المدخول عليه وتلك في الأحرار البالغين أراد بآية الاستئذان قوله تعالى (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) فإنّها في الأحرار على ما سيجيء.
ولعلّ وجه توهّم النسخ أن آية الاستيذان اقتضت وجوب الاستئذان في كلّ وقت وهذه الآية تدلّ على وجوبه في الأوقات الثلثه.
والحق ان توهم النسخ هنا بعيد فإنّه انّما يكون مع التنافي كما ذكره ولا تنافي بينهما لأنّ ما تناوله الآية الأولى من المخاطبين غير ما تناوله الآية الثّانية فإن قيل إذا كان قوله الّذين ملكت ايمانكم يدخل فيه البالغ يلزم النسخ قلنا ليس كذلك لأنّ الآية الأوّل لا يدخل فيها العبيد والإماء بل الأحرار فقط فأين النسخ.
الرّابعة (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ) اي من الأحرار دون المماليك فان حكمهم سلف سابقا (الْحُلُمَ) وبلوغ الحلم يراد به زمان يمكن فيه الاحتلام وقد تقدم حدّه من الزّمان وذلك ببلوغ الرّجل خمس عشرة سنة والأنثى تسعا وقيل غير ذلك على ما سلف (فَلْيَسْتَأْذِنُوا) في جميع الأوقات كما يعطيه الإطلاق (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الّذين بلغوا من قبلهم واحتمل في الكشاف أن يكون المراد الّذين ذكروا من قبلهم في قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) الآية.
والمعنى انّ الأطفال مأذون لهم في الدّخول بغير الإذن إلّا في العورات الثلث فإذا اعتاد الأطفال ذلك ثمّ خرجوا من حدّ الطفولية بان يحتلموا أو يبلغوا السن الّذي يحكم عليهم فيها بالبلوغ وجب ان يفطموا عن تلك العادة ويحملوا على
__________________
(١) البيضاوي ج ٣ ص ٢٣٩ ط مصطفى محمد.