وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه وبها استدل على مشروعية الصلح بالمعنى المشهور ، وفيه ما مر.
الرابعة : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء ١٢٨).
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها) توقعت منه لما ظهر لها من المخايل (نُشُوزاً) تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها كراهة لها (أَوْ إِعْراضاً) بتقليل محادثة أو مؤانسة ونحوها مما يظهر معها آثار نشوزه ، وذلك لبعض الأسباب كالطعن في السن أو طموح عين إلى أخرى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أى لا إثم ولا حرج على كل واحد منهما (أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أن يتصالحا ، بأن تحط له بعض المهر أو القسم الذي لها أو تهبه شيئا تستميله به ليستديم المقام في حباله أو تبقى على زوجيته.
(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أى الصلح بترك بعض الحقوق خير من الفرقة وسوء العشرة أو من الخصومة ولا يجوز أن يراد به التفضيل بل بيان أنه من الخيور كما أن الخصومة من الشرور ، فهو بمعنى أصل الفعل.
وفي الآية دلالة على مشروعية الصلح بالمعنى المصطلح ، ويستفاد منها أن الزوجة إذا أسقطت القسمة من حقها سقطت. وفيه دلالة على جواز سقوط الشيء قبل وجوبه ، فان حق الزوجة يتجدد يوما فيوما بالنسبة إلى حقها ، وسيجيء لهذا تتمة إنشاء الله تعالى.
الخامسة : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات ـ ١٠).
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) لاشتراكهم في الدين. وفي هذا بيان لأن الايمان قد عقد بين أهله من النسب الغريب والنسب البعيد اللاصق إلى حد إن لم يفضل الاخوة ولم يزد عليها لم ينقص عنها ولم يتقاصر عن غايتها.
(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) لعل الفائدة في وضع الظاهر موضع المضمر الحث على ارتفاع الفتنة وإيقاع الصلح ، لما في العادة أنّه إذا نشب النزاع بين الأخوين لأب وأم لزم سائر الناس ان يتناهضوا في رفعه وإزاحته ، ويركبوا الصعب والذلول مشيا