القول في الظن
ولا بد من الكلام في مقامين : الأول في إمكان التعبد بالظن والثاني في وقوع التعبد به ، وقد حكى عن ابن قبة امتناع التعبد وإنكار إمكانه ، إلّا ان ما استدل به ليس على نسق واحد فان قوله : التعبد بالخبر الواحد يستلزم اجتماع الحلال والحرام والمفسدة والمصلحة ، وان كان ظاهرا في نفى الإمكان ، إلّا ان قوله الآخر : لو جاز الاخبار عن النبي لجاز الاخبار عن الله يلوح منه نفى الوقوع مع قبول إمكانه ، وعليه لا يكفى في رده إثبات الإمكان حتى يثبت وقوعه
ثم ان الاستحالة التي ادعيت انما هي الذاتي أو الوقوعي ، واما الإمكان فليس المراد منه الإمكان الذاتي قطعا فانه يحتاج إلى إقامة البرهان عليه ولا برهان عليه بل المراد الإمكان الاحتمالي الواقع في كلام الشيخ : رئيس الصناعة من : انه كلما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان. والإمكان الاحتمالي معناه تجويز وقوعه في مقابل ردعه وطرحه بلا برهان ، وان شئت قلت : عدم الأخذ بأحد طرفي القضية والجزم بإمكانه أو امتناعه كما هو ديدن غير أصحاب البرهان. وهذا من الأحكام العقلية يحكم به العقل السليم ، ولو جرى عليه العقلاء في اجتماعهم ، فلأجل حكم عقولهم الصحيحة ، وليس بناء منهم على الإمكان لمصلحة من المصالح الاجتماعية كما هو الحال في سائر أصولهم العقلائية
ثم ان ما هو المحتاج إليه في هذا المقام هو الإمكان الاحتمالي فلو دل دليل على حجية الظنون وجواز العمل بآحاد الاخبار ، لا يجوز رفع اليد عن ظواهر تلك الأدلة ما لم يدل دليل قطعي علي امتناعه ، نعم لو دل دليل قطعي على امتناعه يؤول ما دل على حجيتها بظواهره : فاللازم رد ما استدل به القائل على الامتناع ، حتى ينتج الإمكان الاحتمالي فيؤخذ بظواهر أدلة الحجية
وبذلك يظهر ان تفسير الإمكان بالذاتي والوقوعي في غير محله إذ مع انه لا طريق إليه ، غير محتاج إليه ، نعم الاستحالة المدعاة هي الذاتي والوقوعي على بعض