هذا نظام كل مقنن إذ في التحفظ التام على الواقعيات من الأحكام مفسدة عظيمة لا تجبر بشيء أيسرها خروج الناس من الدين ، ورغبتهم عنه ، وتبدد نظام معاشهم ومعادهم فلأجل هذا كله ، رفع اليد عن إجراء الأحكام في الموارد التي قام الأمارة أو الأصل على خلافها ، وليس هذا من قبيل قصور مقتضيات الأحكام وملاكاتها في موارد قيام الأمارات والأصول على خلافها ، حتى يتقيد الأحكام الواقعية بعدم القيام بل من قبيل رفع اليد لجهة اللابدية ومزاحمة الفاسد والأفسد في مقام الأجراء
فالأحكام الواقعية تنشأ على موضوعاتها من غير تقييد وتوهم لغوية تلك الأحكام الإنشائية ، إذا فرض قيام الأمارة أو الأصل على خلافها من أول زمن تشريعها مندفعة بأنه لا محالة ينكشف الخطاء ولو عند ظهور الدولة الحقة ولو كانت عاطلة غير منشأة من رأس ، صارت مهملة إلى الأبد حتى بعد قيام القائم عليهالسلام لانسداد الوحي وتشريع الأحكام بعد ما رفع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله إلى الرفيق الأعلى ، وبذلك يندفع الإشكال كله.
فان قلت : انه ليس في الواقع أحكام إنشائية ، بل الموجود في نفس الأمر ، هو إنشاء الأحكام أي تشريعها على موضوعاتها المقدر وجودها بجميع ما اعتبر فيها من القيود والشرائط وعدم الموانع على نهج القضايا الحقيقية ، وفعلية الحكم عبارة عن تحقق موضوعه بجميع ما اعتبر فيه ، ولا يعقل لفعلية الحكم معنى غير ذلك فالأحكام الواقعية اما مقيدة بعدم قيام الأمارة على الخلاف أولا ، فعلى الأول يلزم التصويب ، وعلى الثاني يلزم اجتماع الضدين.
قلت : يكفى في صحة ما ذكرنا ملاحظة القوانين العالمية أو المختصة بجيل دون جيل وطائفة دون آخر ، فان الأحكام ينشأ على وجه الإنشاء على موضوعاتها العارية من كل قيد وشرط ، ثم إذا آن وقت إجرائه ، يذكر في لوح آخر قيوده ومخصصاته ، فالمنشأ على الموضوعات قبل ورود التخصيص والتقييد هو الحكم الإنشائي ، والحكم الفعلي اللازم الأجراء ، ما يبقى تحت العموم والمطلق ، بعد ورودهما عليه. هذا أولا