أمورهم من معاملاتهم وسياساتهم ، وليس إمضاء الشارع العمل بالأمارات مستتبعا لإنشاء حكم ، بل مآله إلى عدم الردع وعدم التصرف في بناء العقلاء ، وما ورد من الروايات كلها إرشاد إلى ما عليه العقلاء ، وقد اعترف به قدسسره فيما سبق ، ولكنه أفاد هنا ما ينافيه.
وثانيا : لو كان المستند للقول بجعل الوسطية والطريقية من جانب الشارع هو الاخبار الواردة في شأن الآحاد من الاخبار أو شأن مخبريها ، كقوله عليهالسلام إذا أردت حديثاً فعليك بهذا الجالس وأشار إلى زرارة ، ومثل قوله عليهالسلام واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، ومثل قوله عليهالسلام عليك بالأسدي يعنى أبا بصير ، وقوله عليهالسلام العمري ثقة ، فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون ، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي سيجيء كثير منها في بابه ـ فلا شك انه لو كان المستند هذه الاخبار ، فالمجعول فيها ـ مع قطع النّظر عما قلنا من انها إرشاد إلى ما عليه العقلاء ـ هو وجوب العمل على طبقها تعبدا على انها هو الواقع ، وترتيب آثار الواقع على مؤداها ، وليس فيها أيّ أثر من حديث جعل الوسطية والطريقية ،. نعم لو كان المدرك مفهوم آية النبأ ، يمكن ان يقال : انها بصدد جعل الكاشفية لخبر العادل ، ولكنه مع قطع النّظر عن الإشكالات المقررة في محله ، وعما احتملناه في الاخبار من كونها إرشادا إلى عمل العقلاء ، مدفوع بأنها بصدد جعل وجوب العمل على طبق قول العادل ، لا جعل المبينية والكاشفية ، وانما المبينية جهة تعليلية لجعل وجوب العمل ، وليست موردة للجعل
وثالثا : ان ما هو القابل للجعل في المقام انما هو وجوب العمل على طبق الأخبار ، ووجوب ترتيب الأثر على مؤداها ، واما الطريقية والكاشفية ، فليس مما تنالها يد الجعل فلان الشيء لو كان واجدا لهذه الصفة تكوينا ، فلا معنى لإعطائها لها ، وان كان فاقدا له كالشك ، فلا يعقل ان يصير ما ليس بكاشف كاشفا ، وما ليس طريقا ، طريقا ، فان الطريقية والكاشفية ، ليست امرا اعتباريا كالملكية ، حتى يصح جعلها بالاعتبار ، وقس عليه تتميم الكشف ، وإكمال الطريقية ، فكما ان اللاكاشفية ذاتية