الحكم للملاقى مستقلا ، وبالجملة ليس هنا إلّا وجوب اجتناب واحد وهو وجوب الاجتناب عن النجس ولا يتحقق ذلك إلّا بالاجتناب عنه وعن حواشيه وملاقياته.
ومن قائل ـ وهو المشهور المنصور ـ بان الملاقى يختص بجعل مستقل في عرض وجوب الاجتناب عن النجس وهذا الوجوب مجعول على عنوان ملاقى النجس ، من دون ان يكون وجوبه عين وجوبه ومن شئونه فالاجتناب عن الملاقى امتثال مستقل كما ان الاجتناب عن النجس امتثال آخر ، وقس عليه العقاب والعصيان.
استدل ابن زهرة بقوله تعالى : والرجز فاهجر ولا يخفى عدم دلالته إذ هو يدل على وجوب الاجتناب عن الرجز ولا يدل على وجوب الاجتناب عن ملاقى الرجز ، فان الرجز عبارة عن نفس النجس على ما عليه جملة من المفسرين ولا يدل على حكم ملاقيه.
وربما يستدل بما رواه عمر بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليهالسلام : انه أتاه رجل فقال له : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال أبو جعفر : لا تأكله فقال الرّجل : الفأرة أهون عليّ من ان اترك طعامي لأجلها ، فقال له أبو جعفر : انك لم تستخف بالفأرة وانما استخففت بدينك ان الله حرّم الميتة من كل شيء
(وجه دلالته) انه جعل عدم الاجتناب من الطعام الّذي وقعت فيه الفأرة استخفافا للدين وبينه بان الله حرم الميتة من كل شيء ولو لا كون الاجتناب من الملاقى (بالكسر) من شئون الاجتناب من الملاقى لم يكن عدم الاجتناب من الطعام استخفافا بتحريم الميتة.
وفيه : مع ضعف سند الرواية ، واحتمال تفسخ الميتة في السمن بحيث حصل الامتزاج والاختلاط وصارا بحكم واحد في الاستعمال والاجتناب ، ان الاستدلال مبنى على ان قوله عليهالسلام ان الله حرم الميتة من كل شيء مسوق لبيان نجاسة الملاقى للفأرة وهو خلاف الظاهر بل سيق لبيان رد قول السائل (ان الفأرة أهون عليّ من ان اترك طعامي لأجلها) بان ذلك استخفاف لحكم الله تعالى لتعلق حكمه على كل ميتة