وهذا شأن كل معلّم لغيره بأمر : تارة يعلمه بقوله ، وتارة بفعله. ولهذا كان من جعل دارا مسجدا وفتح بابها لكل من دخل إليها ، وأذن بالصلاة فيها ـ معلما أنها وقف ، وإن لم يتلفظ به. وكذلك من وجد متقربا إلى غيره بأنواع المسار ـ معلما له ولغيره : أنه يحبه ، وإن لم يتلفظ بقوله. وكذلك بالعكس.
وكذلك شهادة الرب جل جلاله وبيانه وإعلامه : يكون بقوله تارة ، وبفعله تارة أخرى.
فالقول : هو ما أرسل به رسله ، وأنزل به كتبه ، مما قد علم بالاضطرار : أن جميع الرسل أخبروا عن الله أنه شهد لنفسه بأنه لا إله إلا هو. وأخبر بذلك. وأمر عباده أن يشهدوا به.
وشهادته سبحانه : «أنه لا إله إلا هو» معلومة من جهة كل من بلّغ عنه كلامه.
وأما بيانه وإعلامه بفعله : فهو ما تضمنه خبره تعالى عن الأدلة الدالة على وحدانيته التي تعلم دلالتها بالعقل والفطرة.
وهذا أيضا يستعمل فيه لفظ الشهادة ، كما يستعمل فيه لفظ الدلالة ، والإرشاد والبيان ، فإن الدليل يبين المدلول عليه ويظهره ، كما يبينه الشاهد والمخبر بل قد يكون البيان بالفعل أظهر وأبلغ. وقد يسمى شاهد الحال نطقا وقولا له وكلاما ، لقيامه مقامه ، وأدائه مؤداه. كما قيل :
وقالت العينان : سمعا وطاعة |
|
وحدّرتا بالدّر لمّا يثقّب |
وقال الآخر :
شكا إليّ جملي طول السّرى |
|
صبرا جميلي ، فكلانا مبتلى |
وقال الآخر :
امتلأ الحوض ، وقال : قطني |
|
مهلا رويدا ، قد ملأت بطني |