ويسمى هذا شهادة أيضا ، كما في قوله تعالى : ٩ : ١٧ (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) فهذه شهادة منهم على أنفسهم بما يفعلون من أعمال الكفر وأقواله ، فهي شهادة بكفرهم ، وهم شاهدون على أنفسهم بما شهدت بها عليهم.
والمقصود : أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه. فإن دلالتها إنما هي بخلقه وجعله ، ويشهد بآياته القولية الكلامية المطابقة لما شهدت به آياته الخلقية ، فتتطابقت شهادة القول وشهادة الفعل ، كما قال تعالى : ٤١ : ٥٣ (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي أن القرآن هو الحق. فأخبر أنه يدل بآياته الأفقية والنفسية على صدق آياته القولية الكلامية.
وهذه الشهادة الفعلية : قد ذكرها غير واحد من أئمة العربية والتفسير. قال ابن كيسان (١) : شهد الله بتدبيره العجيب ، وأموره المحكمة عند خلقه : أنه لا إله إلا هو.
فصل
وأما المرتبة الرابعة : وهي الأمر بذلك والإلزام به ، وإن كان مجرد الشهادة لا يستلزمه ، لكن الشهادة في هذا الموضع تدل عليه ، وتتضمنه. فإنه سبحانه شهد به شهادة من حكم به ، وقضى وأمر ، وألزم عباده به كما قال تعالى : ١٧ : ٢٣ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقال تعالى : ١٦ : ٥١ (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) وقال تعالى : ٩٨ : ٥ (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقال تعالى : ١٧ : ٢٢ (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) وقال تعالى : ٢٦ : ٢١٣ (فَلا
__________________
(١) هو وهب بن كيسان المدني المؤدب توفي سنة سبع وعشرين ومائة عن سن عالية.