وثانيها : أن في ذكر أولي العلم في هذه الشهادة ، وتعليقها بهم : ما يدل على أنها من موجبات العلم. ومقتضياته ، وأن من كان من أولي العلم ، فإنه يشهد بهذه الشهادة ، كما يقال : إذا طلع الهلال ، واتضح : كل من كان من أهل النظر يراه. وإذا فاحت رائحة ظاهرة : كل من كان من أهل الشم يشم هذه الرائحة. قال تعالى : ٧٩ : ٣٦ (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) كل من له رؤية يراها حينئذ عيانا.
ففي هذا بيان أن من لم يشهد له سبحانه بهذه الشهادة ، فهو من أعظم الجهال وإن علم من أمور الدنيا ما لم يعلمه غيره. فهو من أولي الجهل ، لا من أولي العلم.
وقد بينا أنه لم يقم بهذه الشهادة وأداها على وجهها إلا أتباع الرسل : أهل الإثبات. فهم أولو العلم. وسائر من عداهم أولو الجهل ، وإن وسعوا القول وأكثروا الجدال.
ومنها : الشهادة من الله سبحانه لأهل هذه الشهادة : أنهم أولو العلم. فشهادته سبحانه لهم أعدل وأصدق من شهادة الجهمية والمعطلة ، والفرعونية لهم : بأنهم جهال ، وأنهم حشوية ، وأنهم مشبهة ، وأنهم مجسمة ، ونوابت ونواصب.
فكفاهم شهادة أصدق الصادقين لهم : بأنهم من أولي العلم ، إذ شهدوا له بحقيقة ما شهد به لنفسه ، من غير تحريف ولا تعطيل. وأثبتوا له حقيقة هذه الشهادة بكل مضمونها. وخصومهم نفوا عنه حقائقها ، وأثبتوا له ألفاظها ومجازاتها.
فصل
وفي ضمن هذه الشهادة الإلهية : الثناء على أهل العلم الشاهدين بها وتعديلهم. فإنه سبحانه قرن شهادتهم بشهادته ، وشهادة ملائكته. واستشهد