فدعوى المدعي : أن هذا نظير تخلية السيد بين عبيده وإمائه يفجر بعضهم ببعض ، ويسبي بعضهم بعضا ؛ أكذب دعوى وأبطلها. والفرق بينهما أظهر وأعظم من أن يحتاج إلى ذكره ، والتنبيه عليه. والحمد لله الغني الحميد. فغناه التام فارق ، وحمده وملكه ، وعزته وحكمته وعلمه ، وإحسانه وعدله ، ودينه وشرعه وحكمه وكرمه ، ومحبته للمغفرة والعفو عن الجناة ، والصفح عن المسيئين ، وقبوله توبة التائبين ، وصبر الصابرين ، وشكر الشاكرين الذين يؤثرونه على غيره ، ويتطلبون مرضاته ، ويعبدونه وحده ، ويسيرون في عبيده سيرة العدل والإحسان والنصائح ، ويجاهدون أعداءه ، فيبذلون دماءهم وأموالهم في محبته ومرضاته. ليتميز الخبيث من الطيب ، ووليه من عدوه ، ويخرج طيبات هؤلاء وخبائث أولئك إلى الخارج ، فيترتب عليها آثارها المحبوبة للرب تعالى من الثواب والعقاب ، والحمد لأوليائه والذم لأعدائه.
قول الله تعالى ذكره : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩))
فإن قيل : فقد أثبت له على أوليائه هاهنا سلطانا ، فكيف نفاه بقوله تعالى حاكيا عنه مقررا له ١٤ : ٢٣ (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ : إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) وقال تعالى : ٣٤ : ٢٠ ، ٢١ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ).
قيل : السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه من وجهين.
أحدهما : أن السلطان الثابت : هو سلطان التمكن منهم ، وتلاعبه