المرسلين. وهذا يقتضى سلامتهم من كل ما يقول المكذبون لهم ، المخالفون لهم. وإذا سلموا من كل ما رماهم أعداؤهم لزم سلامة كل ما جاءوا به من الكذب والفساد.
وأعظم ما جاءوا به : التوحيد ومعرفة الله ، ووصفه بما يليق بجلاله مما وصف به نفسه على ألسنتهم. وإذا سلم ذلك من الكذب والمحال والفساد : فهو الحق المحض. وما خالفه : فهو الباطل ، والكذب المحال.
وهذا المعنى بعينه في قوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى). فإنه يتضمن حمده بما هو من نعوت الكمال وأوصاف الجلال ، والأفعال الحميدة ، والأسماء الحسنى وسلامة رسله من كل عيب ونقص وكذب. وذلك يتضمن سلامة ما جاءوا به من كل باطل.
فقابل هذا السر في اقتران السلام على رسله بحمده وتسبيحه. فهذا يشهد بكون السلام هنا من الله تعالى ، كما هو في آخر الصافات.
وأما عطف الخبر على الطلب فما أكثره. فمنه قوله تعالى : ٢١ : ١١٢ (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ، وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ) وقوله : ٢٣ : ١١٨ (وَقُلْ : رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) وقوله : ٧ : ٨٩ (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) ونظائره كثيرة جدا.
وفصل الخطاب في ذلك : أن يقال الآية تتضمن الأمرين جميعا ، وتنتظمها انتظاما واحدا. فإن الرسول هو المبلغ عن الله كلامه ، وليس له فيه إلا البلاغ ، والكلام كلام الرب تبارك وتعالى ، فهو الذي حمد نفسه ، وسلم على صفوة عباده ، وأمر رسوله بتبليغ ذلك. فإذا قال الرسول : الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى كان قد حمد الله وسلم على عباده بما حمد الرب به نفسه وسلم به هو على عباده. فهو سلام من الله ابتداء ، ومن المبلغ بلاغا ، ومن العباد : اقتداء وطاعة. فنحن نقول كما أمرنا ربنا تعالى : «الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى».