فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)
فاشتملت هذه الآيات على ثلاثة أمثال : مثل للكفار. ومثلين للمؤمنين.
فيتضمن مثل الكفار أن الكافر يعاقب على كفره وعداوته لله ورسوله وأوليائه ، ولا ينفعه مع كفره ما كان بينه وبين المؤمنين عن لحمة نسب ، أو وصلة صهر ، أو سبب من أسباب الاتصال. فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي رسله ، فلو نفعت وصلة القرابة والمصاهرة أو النكاح مع عدم الايمان ، لنفعت الوصلة التي كانت بين نوح ولوط وامرأتيهما فلما لم يغنيا عنهما من الله شيئا ، وقيل : ادخلا النار مع الداخلين. قطعت الآية حينئذ طمع من ركب معصية الله ، وخالف امره ، ورجا أن ينفعه صلاح غيره من قريب أو أجنبي ، ولو كان بينهما في الدنيا أشد الاتصال. فلا اتصال فوق اتصال البنوة والأبوة والزوجية ، ولم يغن نوح عن ابنه ، ولا إبراهيم عن أبيه ، ولا نوح ولا لوط عن امرأتيهما من الله شيئا. قال الله تعالى : ٦٠ : ٣ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ ، يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) وقال تعالى : ٨٢ : ١٩ (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) وقال تعالى : ٢ : ٤٨ (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) وقال : ٣١ : ٣٣ (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً. إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) وهذا كله تكذيب لإطماع المشركين الباطلة : أن ما تعلقوا به من دون الله من قرابة ، أو صهر ، أو نكاح أو صحبة ينفعهم يوم القيامة ، أو يجيرهم من عذاب الله ، أو يشفع لهم عند الله. وهذا أصل ضلال بني آدم ، وشركهم ، وهو الشرك الذي لا يغفره الله. وهو الذي بعث الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه بإبطاله ، ومحاربة أهله ، ومعاداتهم.