وفي قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أيضا رد عليهم فإن الهداية المطلقة التامة هي المستلزمة لحصول الاهتداء. ولو لا أنها بيده تعالى دونهم لما سألوه إياها ، وهي المتضمنة للإرشاد والبيان ، والتوفيق والإقدار ، وجعلهم مهتدين. وليس مطلوبهم مجرد البيان والدلالة ، كما ظنته القدرية. لأن هذا القدر وحده لا يوجب الهدى ، ولا ينجي من الردى ، وهو حاصل لغيرهم من الكفار ، الذين استحبوا العمى على الهدى ، واشتروا الضلالة بالهدى.
فصل
النوع الثاني : أهل الإشراك به في إلهيته ، وهم المقرون بأنه وحده رب كل شيء ، ومليكه وخالقه ، وأنه ربهم ورب آبائهم الأولين ، ورب السموات السبع ، ورب العرش العظيم ، وهم مع هذا يعبدون غيره ، ويعدلون به سواه في المحبة والطاعة والتعظيم ، وهم الذين اتخذوا من دون الله أندادا ، فهؤلاء لم يوفوا «إياك نعبد» حقه ، وإن كان لهم نصيب من «نعبدك». لكن ليس لهم نصيب من «إياك نعبد» المتضمن معنى : لا نعبد إلا إياك ، حبا وخوفا ورجاء وطاعة وتعظيما ، ف «إياك نعبد» تحقيق لتوحيد لهذا التوحيد ، وإبطال للشرك في الإلهية ، كما أن «إياك نستعين» تحقيق لتوحيد الربوبية ، وإبطال للشرك به فيها ، وكذلك قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فإنهم أهل التوحيد ، وهم أهل تحقيق إياك نعبد وإياك نستعين» وأهل الإشراك : هم أهل الغضب والضلال.
فصل
في تضمنها الرد على الجهمية معطلة الصفات
وذلك من وجوه :
أحدهما : من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فإن إثبات الحمد الكامل له يقضي