ضاهاهم من القدرية ، فإنهم يثبتون مع الله خالقا آخر ، وإن لم يقولوا : إنه مكافئ له ، والقدرية المجوسية تثبت مع الله خالقين للأفعال ، ليست أفعالهم مقدورة لله ، ولا مخلوقة لهم ، وهي صادرة بغير مشيئته ولا قدرة له عليها ، ولا هو الذي جعل أربابها فاعلين لها ، بل هم الذين جعلوا أنفسهم شائين مريدين فاعلين.
فربوبية العالم الكاملة المطلقة الشاملة تبطل أقوال هؤلاء كلهم لأنها تقتضي ربوبيته لجميع ما فيه من الذوات والصفات والحركات والأفعال.
وحقيقة قول القدرية المجوسية : أنه تعالى ليس ربا لأفعال الحيوان ، ولا تناولتها ربوبيته وكيف تتناول ما لا يدخل تحت قدرته ومشيئته وخلقه؟ مع أن في عموم حمده ما يقتضي حمده على طاعات خلقه ، إذ هو المعين عليها والموفق لها ، وهو الذي شاءها منهم ، كما قال في غير موضع من كتابه (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فهو محمود على أن شاءها لهم ، وجعلهم فاعليها بقدرته ومشيئته ، فهو المحمود عليها في الحقيقة. وعندهم : أنهم هم المحمودون عليها ، ولهم الحمد على فعلها ، وليس لله حمد على نفس فاعليتها عندهم ، ولا على ثوابه وجزائه عليها.
أما الأول : فلأن فاعليتها بهم لا به ، وأما الثاني : فلأن الجزاء مستحق عليه استحقاق الأجرة على المستأجر ، فهو محض حقهم ، الذي عاوضوه (١) عليه.
وفي قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) رد ظاهر عليهم. إذا استعانتهم به إنما تكون عن شيء هو بيده وتحت قدرته ومشيئته ، فكيف يستعين من بيده الفعل وهو موجده ، إن شاء أوجده وإن شاء لم يوجده ، بمن ليس ذلك الفعل بيده ولا هو داخل تحت قدرته ولا مشيئته.
__________________
(١) العوض واحد الأعواض تقول منه عاضه وأعاضه وعوضه تعويضا وعاوضه أعطاه العوض.