فاستدل بهذا على نبوته ، وأن الذي يأتيه ملك من عند الله ، وأن الذي يأتي مسيلمة شيطان.
ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار ، فالسحر الليلي عندهم : هو السحر القوي التأثير. ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومأواهم ، والشياطين تجول فيها ، وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه. وكلما كان القلب أظلم كان للشيطان أطوع ، وهو فيه أثبت وأمكن.
فصل
ومن هاهنا : تعلم السر في الاستعاذة برب الفلق في هذا الموضع.
فإن الفلق : هو الصبح الذي هو مبدأ ظهور النور ، وهو الذي يطرد جيش الظلام ، وعسكر المفسدين في الليل. فيأوي كل خبيث وكل مفسد وكل لص وكل قاطع طريق إلى سرب أو كنّ أو غار ، وتأوي الهوام إلى أجحرتها ، والشياطين التي انتشرت بالليل إلى أمكنتها ومحالها. فأمر الله عباده أن يستعيذوا برب النور الذي يقهر الظلمة ويزيلها ، ويقهر عسكرها وجيشها. ولهذا ذكر سبحانه في كل كتاب : أنه يخرج عباده من الظلمات إلى النور ، ويدع الكفار في ظلمات كفرهم. قال الله تعالى : ٢ : ٢٥٧ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ، يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) وقال تعالى : ٦ : ١٢٢ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها؟) وقال في أعمال الكفار ٢٤ : ٤٠ (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) وقد قال قبل ذلك في صفات أهل الإيمان ونورهم ٢٤ : ٣٦ (اللهُ نُورُ