ومن هذا : وسوسة الحلي وهو حركته الخفية في الأذن.
والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها سميت وسوسة لقربها ، وشدة مجاورتها لمحل الوسوسة من شياطين الإنس. وهو الإذن. فقيل : وسوسة الحلي. لأنه صوت مجاور للأذن ، كوسوسة الكلام الذي يلقيه الشيطان في أذن من يوسوس له.
ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ، ويؤكده عند من يلقيه إليه كرروا لفظها بإزاء تكرير معناها. فقالوا : وسوس وسوسة. فراعوا تكرير اللفظ ليفهم منه تكرير مسماه.
ونظير هذا : ما تقدم من متابعتهم حركة اللفظ بإزاء متابعة حركة معناه ، كالدوران ، والغليان ، والنزوان ، وبابه.
ونظير ذلك : زلزل ، ودكدك ، وقلقل ، وكبكب الشيء. لأن الزلزلة حركة متكررة. وكذلك الدكدكة ، والقلقلة. وكذلك كبكب الشيء : إذا كبه في مكان بعيد ، فهو يكبّ فيه كبا بعد كب كقوله تعالى : ٢٦ : ٩٤ (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) ومثله : رضرضه إذا كرر رضّة مرة بعد مرة. ومثله : ذرذره. إذا ذره شيئا بعد شيء. ومثله صرصر : الباب : إذا تكرر صريره. ومثله : مطمط الكلام : إذا مططه شيئا بعد شيء. ومثله : كفكف الشيء : إذا كرر كفّه ، وهو كثير.
وقد علم بهذا أن من جعل هذا الرباعي بمعنى الثلاثي المضاعف لم يصب. لأن الثلاثي لا يدل على تكرار ، بخلاف الرباعي المكرر ، فإذا قلت : ذرّ الشيء وصر الباب ، وكفّ الثوب ، ورض الحبّ : لم يدل على تكرار الفعل ، بخلاف ذرذر ، وصرصر ، ورضرض ، ونحوه.
فتأمله. فإنه مطابق للقاعدة العربية في الحذو بالألفاظ حذو المعاني. وقد تقدم التنبيه على ذلك. فلا وجه لإعادته.