أو أحدهما. فهذا إذا تمكنت مخالطته واتصلت ، فهي مرض الموت المخوف.
ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربه عليك ، فإذا فارقك سكن الألم.
ومنهم من مخالطته حمى الروح. وهو الثقيل البغيض العقل ، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك ، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ، ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها ، بل إن تكلم فكلامه كالعصي تنزل على قلوب السامعين ، مع إعجابه بكلامه وفرحه به. فهو يحدث من فيه كلما تحدث ، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس. وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض. ويذكر عن الشافعي رحمهالله أنه قال : ما جلس إلى جانبي ثقيل إلا وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.
ورأيت يوما عند شيخنا قدس الله روحه رجلا من هذا الضرب والشيخ يحمله ، وقد ضعفت القوى عن حمله ، فالتفت إليّ وقال : مجالسة الثقيل حمى الربع. ثم قال : لكن قد أدمنت أرواحنا على الحمى ، فصارت لها عادة. أو كما قال.
وبالجملة : فمخالطة كل مخالف حمى للروح ، فعرضية ولازمة. ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب. وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف ، حتى يجعل الله له من أمره فرجا ومخرجا.
القسم الرابع : من مخالطته الهلك كله ومخالطته بمنزلة أكل السم. فإن اتفق لآكله ترياق ، وإلا فأحسن الله فيه العزاء. وما أكثر هذا الضرب في الناس لأكثرهم الله. وهم أهل البدع والضلالة ، الصادون عن سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، الداعون إلى خلافها ، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، فيجعلون البدعة سنة ، والسنة بدعة ، والمعروف منكرا ، والمنكر معروفا.