كانت المفسدة واصلة ومعلومة أولا.
ويترتب على هذا انَّ مجرد احتمال ثبوت نهي في الواقع غير واصل إلينا يكفي لعدم الجزم بصحة العبادة حتى ولو كانت الحرمة مؤمنة ، إذ المفروض انَّ صحة العبادة منوطة بعدم ثبوت النهي في الواقع لا بعدم وصوله إلى المكلف.
والصحيح : عدم تمامية هذا البرهان إلاّ في القسم الأول من أقسام النهي الّذي كان يُفترض فيه انَّ متعلق النهي بنفسه مفسدة لا انه يَترتب عليه المفسدة ، فلو فرض انَّ الأمر المترقب وجوده كان متعلقا بنفس المصلحة لا بما يترتب عليه المصلحة فحينئذ يتم هذا البرهان إذ يقال : إذا ثبت بدليل النهي انَّ الفعل متعلق النهي من القسم الأول أي بنفسه مفسدة ـ فيثبت لا محالة انه ليس بنفسه مصلحة ، إذ يستحيل أَنْ يكون الشيء الواحد مفسدة ومصلحة معاً ، وإذا لم يكن مصلحة فلا يكون مجزيا ومسقطا عن الأمر وامّا في غير القسم الأول من أقسام النهي فلا يتم هذا البرهان ، لأنَّ متعلق النهي فيها لا يكون بعينه مفسدة وانما تترتب عليه المفسدة ، أو انَّ هناك ملاكاً ومصلحة فيما بعد النهي ، ومن الواضح انَّ ما تترتب عليه المفسدة لا يستحيل أَنْ تترتب عليه المصلحة أيضا ، فما أكثر الأفعال التي تترتب عليها المفسدة والمصلحة معاً.
فبمجرد ثبوت دليل على النهي لا يمكن أَنْ يستكشف عدم ترتب المصلحة على الفعل المنهي عنه حتى يحكم بالفساد وعدم الاجتزاء.
البرهان الثاني ـ ويسلّم فيه بأنَّ النهي لا يكشف عن عدم ثبوت المصلحة رأساً ولكن يُقال : انَّ النهي يكشف لا محالة عن ثبوت مفسدة غالبة ، فلو كانت هناك مصلحة فهي مصلحة مغلوبة لا محالة ، ومن الواضح انه لا يمكن الاقتراب إلى المولى بفعل ما يكون فيه مصلحة مغلوبة للمفسدة بل هذا ابتعاد عن المولى وعن أغراضه فيتعذر وقوع العبادة على وجه صحيح من جهة عدم التمكن من التقرب. وهذا البرهان لو تم فانما يتم في غير القسم الرابع من النهي فانَّ النهي في القسم الرابع لا يكشف عن ثبوت مفسدة غالبة في المتعلق حتى لا يمكن التقرب به إلى المولى وانما يكشف عن ثبوت مصلحة غالبة في نفس جعل النهي وهذا لا يمنع أَنْ يقترب العبد إلى مولاه بالفعل المنهي عنه الّذي فيه مصلحة أيضا غاية الأمر تكون مصلحة أقل من مصلحة جعل النهي.