ثم انَّ البطلان على أساس هذا البرهان يكون من ناحية قصور قدرة المكلف وعدم صلاحية الفعل من إتيانه به على وجه قربي ـ كما أشرنا ـ لا من ناحية القصور الذاتي في العبادة ، إذ لو فرض التمكن من الاقتراب إلى المولى بالفعل الّذي تكون مصلحته مغلوبة لوقع صحيحاً وكان واجداً لمصلحة الأمر ، ومن هنا يختص هذا البرهان بخصوص العبادات ولا يشمل غيرها من الواجبات ، كما انَّ البطلان على أساس هذا البرهان يكون ناشئاً من النهي بوجوده الواقعي وإِنْ لم يصل إلى المكلف ، فانَّ النهي بوجوده الواقعي يكون ناشئاً من مفسدة غالبة فلو كانت هناك مصلحة فهي مصلحة مغلوبة ويستحيل الاقتراب إلى المولى بما تكون مصلحته مغلوبة لمفسدته.
وعلى هذا فمجرد احتمال ثبوت نهي في الواقع لم يصل إلينا يكفي لعدم الجزم بصحة العبادة حتى لو لم يكن هذا الاحتمال منجّزاً للحرمة.
والصحيح : عدم تمامية هذا البرهان وذلك لأنَّ الاقتراب إلى المولى له معنيان :
المعنى الأول ـ الاقتراب بمعنى تحقيق انبساط صدر المولى واستئناسه من ناحية تحقق أغراضه وميوله ، وذلك من قبيل أَنْ يقتل العبد عدوَّ المولى ، فانه اقتراب إلى المولى من ناحية انه حقق غرضه ولو فرض انَّ العبد كان يتخيل انه صديق المولى وتجرأ فقتله فخرج عدواً له.
المعنى الثاني ـ الاقتراب بحسب موازين العبودية والمولوية ، فقتل عدو المولى بتخيل انه صديقه ليس اقتراباً إلى المولى عقلاً بل ابتعاد عنه وقتل صديق المولى بتخيل انه عدوه يكون اقترابا إلى المولى وليس ابتعاداً عنه وإِنْ كان مفوتاً لغرض المولى ومؤثراً على نفسه.
فلو كان الشرط في العبادات الاقتراب بالمعنى الأول لكان لهذا البرهان وجاهة ، فانَّ مغلوبية المصلحة للمفسدة مساوقة لعدم إمكان التقرب بالمعنى الأول فتبطل العبادة. إلاّ أنَّ الشرط في العبادات الاقتراب بالمعنى الثاني ، ومن الواضح انَّ مجرد مغلوبية المصلحة للمفسدة لا يعني عدم إمكان التقرب بالمعنى الثاني ما لم نضف إليها نكتة زائدة ترجعنا إلى بعض البراهين التالية ، فانَّ مناط التقرب بالمعنى الثاني ليس ذات المصلحة بما هي هي بل العلم بالمصلحة أو ما بحكمه ، فيمكن أَنْ تكون المصلحة