والصحيح انَّ هذه المحاولة إِنْ أُريد بها علاج المشكلة بطرحتها الأولى وهي إثبات أصل حجية العام في الباقي لمن يشكك فيها وبهذا يكون بحثا عمليا منتجا فقهيا ، فيرد عليه : انَّ طريقة إثبات ذلك منحصر في الرجوع إلى السيرة العقلائية كما أشرنا إلى ذلك لدى التعليق على المحاولة السابقة ، إذ ليس البحث عن إثبات وجود ظهور عرفي بنكتة من النكات العامة كما هو الحال في سائر البحوث اللفظية بقدر ما يكون البحث عن تحقيق انَّ ظهور العام انحلالي في نظر العقلاء أو غير انحلالي بنحو لا يمكن تشخيص نكتة ذلك الا بالرجوع إليهم في شخص هذه المسألة.
__________________
الخاصّ أو اسم الكل في الجزء الّذي هو أحد المجازات لكي يرتب على ذلك ما سوف يأتي من حمل بعض الظواهر وتخريجها كمسألة تخصيص الأكثر أو استعمال الأربعة في الثلاثة.
وثالثا لو سلمنا المجازية فنتساءل هل انها في مدلول الأداة وانَّ كلمة ( كلّ ) غير مستعملة في الاستيعاب أو انها في مدخولها وهو اسم الجنس؟ امّا الأول فيلزم منه ان تكون كلمة كل غير مستعملة في مفهوم الاستيعاب والتمامية لأن المفروض ان اقتناص العموم يكون من باب تعدد الدال والمدلول وإضافة مفهوم الاستيعاب المفاد بأدوات العموم إلى مدلول مدخولها فيلزم المجازية بالنحو الأول بالنسبة لأداة العموم ، بل يلزم عدم إمكان استفادة العموم بلحاظ الباقي بعد ان انسلخ الدال على مفهوم الاستيعاب عن مدلوله. واما الثاني فواضح البطلان ، لأن المدخول وهو اسم الجنس مستعمل في معناه على كل حال سواءً أريد المطلق أو المقيد.
والّذي أفهمه بوجداني انَّ التخصيص لا يستلزم المجازية كما يقول المحقق الخراسانيّ ( قده ) ولكن لا بمعنى انه لا يتصرف إلاّ في الظهور التصديقي الثاني أي أصالة الجد بل بمعنى اخر وهو انَّ المتكلم كأنه بالتخصيص يستدرك ويقتطع من كلامه السابق شيئا والاستدراك فرع أَنْ يكون المستعمل فيه المقتطع منه هو العموم ومن هنا كان العام باقيا على دلالته بالنسبة إلى الباقي في الوقت الّذي يكون الاستدراك ملحوظا في مرحلة المدلول الاستعمالي من مجموع الكلامين أيضا وبهذا العلّة يمكن تفسير جميع المفارقات المذكورة والقادمة ، إذ التخصيص حتى المنفصل منه ليس إلاّ استدراكا مع بقاء المدلول الاستعمالي للعام على حاله غاية الأمر انَّ هذا الفصل في مقام الاستدراك خلاف الظهور والطبع الأولى فيكون قد خالف المخصص بحسب الحقيقة هذا الظهور ، أي انه قصد الإفهام بمجموع كلامه المتصل والمنفصل دون أَنْ يستلزم ذلك المجازية في العام فيكون المقصود افهامه النهائيّ من مجموع كلاميه هو الخاصّ من دون الوقوع في محذور المجازية فلا يحتاج مع ذلك إلى تجشم دعوى الانحلال بلحاظ الظهورات التصديقية.
ثم انه كان ينبغي أَنْ يذكر أيضاً ما ذكر في بحوث التعارض من إمكان افتراض المخصص قرينة على الجانبين السلبي والإيجابي فكما انه ينفي حكم العام عن مورد التخصيص كذلك هو قرينة على إرادة تمام الباقي وهذا غير كلامي الشيخ وصاحب الكفاية ولا يكون موقوفا على دعوى الانحلالية في شيء إلاّ انه يرد عليه :
انَّ حجية العام في الباقي غير موقوفة على القرينية بل ثابتة حتى في موارد التعارض بين العام مع عام اخر بنحو العموم من وجه فلا بدَّ من افتراض وجود جواب اخر.
وهذا الاعتراض غير متجه على التخريج الّذي ذكرناه الآن ، إذ غاية ما يلزم منه انه يعلم بوجود استدراك للمتكلم بلحاظ موردي الاجتماع لأحد العامين إجمالاً أي انَّ الظهور الثالث في مورد التعارض منثلم لا الظهور الاستعمالي ولا ظهور جدية المقصود بالإفهام النهائيّ بلحاظ غير مورد الاستدراك الإجمالي الّذي يكون تمام الباقي داخلا فيه على كل حال ...