معرفة طريقة تولد المعارف البشرية ـ حسبما يصورها المنطق الصوري ـ حيث ان الفكر يسير دائما من معارف أولية ضرورية هي أساس المعرفة البشرية إلى استنباط معارف نظرية جديدة بطريقة البرهان والقياس التي يحدد صورتها علم المنطق ، فأي خطأ يفترض ان كان في الصورة فعلم المنطق هو العاصم منه ، وان كان في مادة القياس فان كانت تلك المادة أولية فلا مجال لوقوع الخطأ فيها. وان كانت ثانوية مستنتجة فلا محالة تكون مستنتجة من برهان وقياس فينقل الكلام إليه حتى ينتهي إلى خطأ يكون في الصورة لأن المعارف الأولية لا خطأ فيها بحسب الفرض لكونها ضرورية. وقد اصطلح على المعارف الأولية في الفكر البشري بمدركات العقل الأول وعلى المعارف المستنتجة منها بمدركات العقل الثاني. ونحن تارة نسلم بهذا التصنيف للمعارف البشرية وطريقة سير الفكر البشري فيها وأخرى لا نسلم به.
اما لو سلمنا بذلك فيمكن مع ذلك الانتصار للمحدثين في المقام بان قواعد علم المنطق اما أن تكون جميعها ضرورية كبرى وتطبيقا أو بعضها ليس ضروريا. اما الأول فواضح البطلان إذ لو كانت كذلك لما وقع خطأ خارجا إذ لا يوجد من يخالف البديهة والضرورة ولا خطأ فيها بحسب فرض هذا المنهج. وعلى الثاني فان قيل بعدم البداهة في الكبريات فسوف يقع الخطأ في نفس العاصم لا محالة ، وان قيل بعدم البداهة في التطبيق احتجنا إلى عاصم في مرحلة التطبيق ولم تكف مراعاة الكبريات المنطقية في عصمة الذهن عن الخطأ وعلم المنطق لا يعطي إلا الكبريات وهذا الكلام أفضل مما ذكره المحدث الأسترآبادي بناء على التصور المدرسي للمعرفة البشرية وطريقة التوالد فيها.
إلا ان هذا التصور أساسا غير صحيح على ما شرحناه مفصلا في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء ، فان هذا البحث كان منشأ لانتقالنا إلى نظرية جديدة للمعرفة البشرية استطاعت أن تملأ فراغا كبيرا في نظرية المعرفة البشرية لم يستطيع الفكر الفلسفي أن يملأه خلال ألفين سنة.
وفيما يلي نذكر مجمل تلك النتائج التي انتهينا إليها في نقطتين :
الأولى ـ فيما يتعلق بالعقل الأول ومدركاته. وهي المدركات التي حددها المنطق