ثم انه يمكن أن يستشكل في حجية رأي المجتهد المفضول في حق نفسه فضلا عن حجيته في حق الآخرين بأنه كيف يحصل له اليقين بالوظيفة والحكم الأعم من الواقعي والظاهري ـ حيث انه الحجة دائما ـ مع اعترافه بالمفضولية للأعلم وافترض انه خالف في الرّأي ، فهو بمقتضى ذلك يحتمل انه لو تباحث مع الأعلم وعالج المسألة على ضوء نظره لتغيرت النتيجة التي انتهى إليها ، وهذا الاحتمال يعني عدم جزمه بالنتيجة النهائيّة والوظيفة العملية فلا يمكنه العمل بنظره فضلا عن تقليده.
ودعوى : ان المفضول إذا تباحث مع الأعلم فسوف ينقلب حكمه الظاهري من باب انقلاب موضوعه لا التخطئة لأنه سوف يرتفع عدم وجدانه للحجة على الخلاف مثلا بوجدانه لها فمن
__________________
المنجزية حقيقة فتجري في حقه البراءة عن الطرفين واقعا. وهذا بنفسه خلاف المرتكز في باب التقليد إذ معناه اختلاف حكم المقلد عن حكم المجتهد فلا بد من الالتزام بالتنزيل.
فانه يقال ـ ان ما هو حجة واقع علم المجتهد ونظره لا الاخبار والإفتاء ، وعليه فعلم المجتهد الإجمالي حجة ومنجز على العامي قبل فحصه وسؤاله عنه فيمنع عن إجراء البراءة في الطرفين.
ثم ان هنا إشكالا آخر في التقليد نواجهه في خصوص موارد فتاوى المجتهد القائمة على أساس الوظائف العقلية كأصالة الاشتغال والبراءة العقليتين أو حجية الظن الانسدادي على الحكومة ، وحاصله انه إن كان التقليد في ذلك من باب كون فتوى المجتهد حجة على المقلد في نفي الحكم الواقعي فمن الواضح ان المجتهد ليس عالما بعدم الحكم الواقعي وانما هو عالم بالوظيفة العقلية ، وإن كان من باب ان فتواه حجة في إثبات تلك الوظيفة في حق المقلد صغرى وكبرى فمن الواضح ان الحجية الشرعية في مثل ذلك يجعل وظيفة العامي مباينا مع وظيفة المجتهد حيث يكون في حقه ترخيص ظاهري شرعي لا عقلي لأن الشارع لا يمكنه جعل البراءة العقلية أو الاحتياط العقلي وتحديدهما في حق العامي فلا بدّ وان تكون هذه الوظيفة في حق العامي حكما ظاهريا شرعيا على طبق نظر المجتهد بنحو يكون نظره موضوعا لهذا الحكم الظاهري الشرعي وهذا خلاف كون الرجوع إليه من باب الخبرة بالحكم المشترك بينهما ، نعم يمكن أن يكون فتوى المجتهد مجرد منبه للمقلد إلى إدراك عقله العملي لتلك الوظيفة المقررة فيما إذا تحقق موضوعها عنده ولو بتقليد في المرتبة المتقدمة كما في موارد العلم الإجمالي إلا ان هذا ليس تقليدا حقيقة.
والصحيح في الجواب : ان دليل التقليد يجعل نظر المجتهد خبرة للعامي في تشخيص موارد التأمين الشرعي واما التنجيز والاشتغال فهو ثابت في حق المقلد أول الأمر في كل شبهة لكونها قبل الفحص فحينئذ ان أنكرنا قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا موضوع لهذا الإشكال فان المؤمن دائما يكون شرعيا ودور المجتهد ونظره طريقيا إليه وان قلنا بالبراءة العقلية أيضا كان نظر المجتهد طريقا إلى إحراز شرطها للمقلد وهو الفحص وعدم وجود منجز شرعي في معرض الوصول فيكون تقليد العامي له في الصغرى بحسب الحقيقة واما الكبرى فلا بد وأن يحتاج إلى تقليدين طوليين بل يقلده في عدم حصوله على ما يكون مؤمنا شرعيا عن الحكم الواقعي المنجز في نفسه على المقلد واما الرجوع إلى المجتهد في التأمينات الظاهرية فأيضا يكون من باب الخبرة اما بالنسبة إلى كبرى الترخيص الظاهري فواضح واما بلحاظ صغراه فلأن موضوع الحكم الظاهري الشك وهو حاصل للمكلف وان لا يكون على خلافه حاكم أو معارض ونظر المجتهد طريق إليه أيضا. فالحاصل نظر المجتهد ووصوله إلى الحكم الواقعي والظاهري من حيث الكبرى والصغرى في الشبهات الحكمية نظر طريقي ورجوع العامي إليه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، كما ان اليقين السابق في الاستصحاب في الشبهات الحكمية يكون ثابتا في حق المجتهد بالحجة عادة أيضا لا بالوجدان ، فلا إشكال إلا من ناحية الفحص والّذي قد عرفت انه بمعنى لا ينافي مع كون رجوع المقلد إلى المجتهد فيه من باب الخبرة.