التطابق في العمل دليلاً على ثبوتها منذ عهود الأئمة وانَّها متلقى منهم ، وذلك بنكتة انَّه من المستبعد جداً بل من الصعب والممتنع عادة تحوّل التزام المتشرعة فجأة من لزوم الجهر في صلاة الظهر من يوم الجمعة إلى الإخفات فيها فانَّ ذلك إِذا لم يكن مستنداً إلى عصر التشريع فلا بدَّ وأن يكون مرتبطاً بسبب مثير وظروف استثنائية طارئة أدّت إلى ذلك يشار إِليها عادة إِذا ما كانت.
وهذا الوجه لا يمكن المساعدة عليه في كثير من الأحيان ـ حتى لو افترضنا انَّ مضمونها ممّا ينعقد فيه تطابق عملي ـ إِذ انَّ صعوبة التحوّل في الالتزامات المتشرعيّة والعقلائية مسلمة بمعنى انَّ التحوّل الفجائي يقطع بعدمه عادة بحساب الاحتمالات إلا انَّ أصل هذا الافتراض في كيفيّة تحوّل السيرة ليس متعيناً بل هناك افتراضات أُخرى كأن تكون السيرة قد تحوّلت تدريجاً وخلال قرون متمادية حسب عوامل مساعدة توفرت بالتدريج بأَنْ نفرض في المثال بروز فتوى بعدم وجوب الجهر في ظهر الجمعة لعدم تمامية دليل شرعي عليه تؤدي إلى عدم التزام جملة من المتشرعة بالجهر فيها ثمّ يجيء آخر بعد فترة من الزمن ويشكك في أصل جواز الجهر لكون الإخفات في الظهرين هو مقتضى القاعدة على مستوى الأدلة والسيرة أو الإجماع قد انثلمت نتيجة الفتوى السابقة فيفتي بلزوم الإخفات ويصبح ذلك تدريجاً هو الموقف الفنّي والعلمي من هذه المسألة فتتطابق الفتاوى على لزوم الإخفات فيها فتنعقد سيرة متشرعية عليه.
ففرضيّة من هذا القبيل ليست بغريبة ولا صعبة التوقّع.
الوجه الثاني ـ إثبات معاصرة السيرة ووجودها في زمن المعصوم عليهالسلام بالنقل والشهادة من قبيل ما ينقله الطوسي ( قده ) من استقرار بناء أصحاب الأئمة والمتشرعة في حياتهم على الاعتماد على اخبار الثقات في مقام أخذ معالم دينهم جيلاً بعد جيل. وهذا الوجه إِنْ فرض فيه تظافر النقل واستفاضته بنحو قطعي أو توافر قرائن على قطعيّته فلا إِشكال ، وإِنْ فرض فيه النقل بخبر ثقة فهو انَّما يجدي فيما لو ثبتت حجيّة خبر الثقة في المرتبة السابقة بدليل آخر فلا يجدي إِذا كانت السيرة يراد الاستناد إِليها في إثبات حجيّة نفس الخبر كما هو واضح. والتسامحات التي تثبت من قبل الناقلين للإجماعات المنقولة لا تقدح في المقام لأنَّها عادة إِنَّما كانت في مقام نقل فتاوى