الوجه الخامس ـ وهو يتم في مورد لو لم تكن السيرة منعقدة على ما يراد إثبات انعقادها عليه لكان لها بديل وكان ذلك البديل ظاهرة مهمة لا تقتضي العادة أَنْ تمرّ بدون تسجيل لخطورتها ، ولعلّ من أحسن أمثلة ذلك انعقاد السيرة على العمل بالظواهر فانه لو لم تكن هذه السيرة موجودة في عهدهم ولم يكن بناء الصحابة والأصحاب على جعل الظهور مقياساً لاقتناص المعنى فلا بد من أَن تكون هناك مبانٍ أُخرى بديلة لذلك في مقام الاقتناص ، إِذ لا شك في انَّهم كانوا يقتنصون المعاني من الأدلة الشرعية على كلّ حال فلو لم يكن ذلك على أساس الظهور فلا بدَّ من قاعدة أُخرى بدلاً عن الظهور وذاك البديل لو كان لكان ظاهرة اجتماعية فريدة وملفتة للنظر بحيث لا يمكن أَنْ تمرّ دون أَنْ يصل إِلينا آثارها وأخبارها بشكل وآخر فانَّ ما هو أقلّ من ذلك تصل آثاره عادة إلى المتأخرين بالتدريج فكيف لا تصل إِلينا رائحة بديل عن الظهورات بوجه من الوجوه فيستكشف منه أنَّه لم يكن هناك بديل بل كان الظهور هو الحجة.
هذه هي وجوه خمسة قد يستند إِليها أو إِلى بعضها على الأقل في إثبات معاصرة السيرة لزمان المعصومين عليهمالسلام وهناك وجوه أُخرى جزئيّة كثيرة على أساس نكات وخصوصيّات غير منضبطة يواجهها الفقيه عادة في الفقه ، فمثلاً ألسنة الروايات وطرز الأسئلة فيها قد تكون كاشفة إثباتاً أو نفياً عن ارتكاز المتشرعة في عصر المعصومين عليهمالسلام فبالنسبة إلى طهارة أهل الكتاب مثلاً قد جعلنا لسان الروايات التي استند إِليها المشهور لإثبات نجاستهم دليلاً على أنَّه لم تكن النجاسة ممّا انعقدت السيرة عليها عند أصحاب الأئمة والمتشرعة لأنَّ تلك الأسئلة قد بيّن فيها الاستشكال بضميمة فرض انَّ أهل الكتاب يشربون الخمر ويأكلون لحم الميتة فلو كانت النجاسة الذاتيّة لهم أمراً مشهوراً فلما ذا يفترض النجاسة العرضية والمعرضية لها مع فرض نجاستهم ذاتاً ، وكذلك فقه العامة في باب المعاملات مثلاً يمكن أَنْ يعطي بعض القرائن نفياً أو إثباتاً على استقرار التعامل الخارجي في زمن الأئمة على موقف معيّن إلى كثير من الخصوصيات الحديثة والتاريخية وغيرهما ممّا لا ضوابط لها يترك تفصيلها إلى الفقه حسب موارد المسائل وطبيعتها.