والاجتهاد بمراتب في مقام الكشف عن الموقف الشرعي ، لأنَّ الإجماع انَّما يكون في قضيّة حدسية ممّا يكون احتمال الخطأ فيها من قبل الجميع معقولاً لو لا عنايات فائقة.
وهذا البيان لا يمكن إجراؤه في السيرة العقلائيّة إِذ يمكن فيها افتراض انَّ المرتكزات العقلائيّة لشدّة سيطرتها على الأفراد وتحوّلها إلى عادة لا شعوريّة يكون منشئاً لاستقرار السلوك المعين فلا ينحصر سببه في التلقي من الشارع. ومن هنا كان لا بدَّ في إثبات دلالتها من الاستعانة بقضيتين شرطيّتين :
إحداهما ـ انَّه لو لم يكن الشارع موافقاً على مضمون السيرة لردع عنها.
الثانية ـ انَّه لو كان قد ردع عنها لوصل إِلينا.
وحيث انَّه لم يصل إِلينا فلا ردع وهو كاشف عن الإمضاء بحكم الشرطيّة الأولى.
وهذا يعني انَّ السيرة العقلائية بحاجة إلى ثلاث نقاط حتى تتم دلالتها على الموقف الشرعي.
النقطة الأولى ـ إثبات الشرطية الأولى التي محصّلها دلالة عدم الردع على الإمضاء وهذا ما يمكن تقريبه بأحد وجهين :
١ ـ أَنْ تكون دلالة عقليّة بملاك استحالة نقض الغرض وتخلّف المعصوم عن أداء رسالته من تبليغ الشريعة وبيان أحكامها وحلالها وحرامها ، فانَّه بحكم كونه حجّة على العباد في تبليغ الشريعة مسئول عن توضيح ما يخالفها من أوضاع الناس وإلا كان مخالفاً لمسئوليّته بما هو مكلَّف ـ بالفتح ـ وناقضاً لغرضه بما هو مكلِّف ـ بالكسر ـ وكلاهما مستحيل. وهذا الوجه ينطبق فيما إذا كانت السيرة العقلائية تشكّل خطراً على أغراض الشارع بأنْ كان مفعولها سارياً إلى باب الشرعيات كالسيرة على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ فنّ المقتضي للرجوع إلى الفقهاء في أخذ معالم الدين امَّا جرياً وراء العادة أو لعموم النكتة في نظرهم وعدم الفرق بين علم الفقه وساير الفنون.
٢ ـ أَنْ تكون دلالة حالية بدعوى انَّ لسكوت المعصوم عليهالسلام عن موقف عقلائي عام يقع بين يديه ظهوراً حالياً في أنَّه موافق عليه ويقبله نظير دلالة سكوته عن عمل شخصي يقع أمامه أو سكوت الأب عن تصرّف معيّن من ابنه الكاشف عن رضاه به وقد قيل انَّ السكوت قد يكون أبلغ من الكلام في التعبير عن المرام.