المتشرعية إِذ لو كان مؤداها أقلّ من مؤدّى القضية الطبعية وأخصّ منه فهذا لا منشأ عقلائي طبعي له وانَّما ينحصر منشؤه في البيان الشرعي الّذي يعتبر تحديداً للقضية العقلائية وردعاً عنها ومثله لو كان لوصل إِلينا عادة مع انَّه لم يصل شاهد عليه من قريب أو بعيد فليست السيرة المتشرعية مهملة بذلك النحو الّذي يجعل مؤداها في قوة الجزئية دائماً ، هذا بالنسبة إلى سيرة المتشرعة.
وأمَّا السيرة العقلائية فربما يبرز بإزائها بعض نقاط الضعف ، منها ما تقدّمت الإشارة إِليه ، من أنَّ هذه السيرة مجرّد ثبوتها لا يكفي للاستدلال بها على الحكم الشرعي ما لم يثبت عدم الردع عنها الكاشف عن الموافقة مع مضمونها وهذا يتوقّف في بعض الأحيان على إثبات حجية ظهور حالي أو لفظي للشارع في الإمضاء وهو لا يكون إِلاّ بالتمسّك بدليل آخر على حجيّته لا بنفس هذه السيرة ، ومن هنا كان بحاجة إلى ضمّ السيرة المتشرعية إِليها في إثبات حجية شخص هذا الظهور على ما تقدّم شرحه.
وقد يقال بلزوم ضمّ السيرة المتشرعية في إثبات أصل ثبوت السيرة العقلائية في الظهورات الموجودة في ثنايا الأدلة الشرعية ، لأنَّ هذه الظهورات تختلف عن الظهورات العرفية في مقام المحاورة والتي هي القدر المتيقّن من شمول السيرة العقلائية لها في انَّها ظهورات صادرة في مجالس متعددة مفصولة بعضها عن بعض زماناً ومكاناً وحتى من حيث المتكلّم نفسه ، فانَّ الأئمة عليهمالسلام قد خالفوا الطرائق العرفية في المحاورة بكثرة اعتمادهم على القرائن المنفصلة المتعددة والصادرة في مجالس مختلفة وأزمنة متباعدة ومن أئمة متعددين في عصور مختلفة ومثل هذه الطريقة ليست بعرفية ولا أقلّ في انَّها لا تكون رائجة فيما بين العقلاء لكي ينظر ما هو بنائهم فيها ، فالسيرة العقلائية على العمل بالظهورات العرفية المتعارفة وحدها لا تكفي لإثبات حجية مثل هذه الظهورات.
وهذه الشبهة تارة تُبين كاعتراض على دليلية السيرة العقلائية ، وحينئذ قد يجعل نفس عمل أصحاب الأئمة عليهمالسلام بهذه الظهورات مع اطلاعهم على انَّ لهم حالة اعتماد القرائن المنفصلة وتأجيلها شاهداً على عموم السيرة العقلائية ، لأنَّهم انَّما كانوا يعملون ذلك بعقلائيتهم لا لتلقي نصّ منهم عليه.