٤ ـ التنسيق بين الظواهر لكي يقتنص الظهور النهائيّ الّذي عليه مدار الحجية.
أمَّا الموضع الأول ـ فتارة يراد نفي الظهور فيه بالبرهان وهذا جانب سلبي ، وأُخرى يراد إثباته به.
أمَّا الجانب السلبي ، فصحة استعمال البرهان فيه واضح من قبيل ما صنعه الأُصوليّون في بحث الصحيح والأعم أو المشتق من البرهنة على استحالة تعقل الجامع بين الأفراد الصحيحة أو بين المتلبس والمنقضي عنه المبدأ لنفي القول بوضع الأسماء للصحيح أو المشتق للجامع بين المنقضي والمتلبس ، فانَّ إمكان الوضع لذلك فرع وجود معنى جامع متقرر مفهوماً فانَّ مقام الإثبات فرع مقام الثبوت فإذا برهن على عدم جامع مفهومي كان ذلك برهاناً على عدم إمكان الوضع له.
وأمَّا الجانب الإثباتي فأيضاً يمكن إثباته بالاستدلال ولو الاستقرائي لما تقدّم من انَّ الظهور الموضوعي أمر واقعي وليس وجدانيّاً فيمكن إثباته بالاستدلال والملاحظة ، كما إذا جرب إطلاق اللفظ عند جماعة مختلفين في ظروفهم وملابساتهم وثقافاتهم للتأكد من عدم التأثر بعامل ذاتي غير موضوعي في تشخيص الظهور فهذا الاستقراء استدلال في الظهورات الذاتيّة المختلفة للتوصّل منها إلى الظهور الموضوعي ، وقد يكون الاستقراء في نفس الظهور الموضوعي مباشرة كما فعله صاحب المحجّة من ملاحظة صيغ ( فعيل ) وانَّها تدلّ على الذات الحاملة للمبدإ دائماً بخلاف صيغة ( فاعل ) فاستنتج من ذلك انَّ كلّ مبدأ لا يكون قائماً بالذات لا تجري عليه صيغة فعيل فقد استنبط أخذ حيثية مشتركة في مدلول فعيل من استقراء مجموع المواد الداخلة عليه كخطيب وسميع وبصير وخبير وهكذا وإِلاّ كان عدم دخوله على مادة ومبدأ لا يقوم بالذات مجرد صدفة منفية بقانون الاستقراء.
وشخص هذا الاستدلال وإِنْ كان قد يناقش فيه لورود صيغة فعيل في مبدأ لا يقوم بالذات كأليم مع انَّ الألم قائم بالمؤلم لا المؤلم ومن هنا لم يدع اللغويين هذا الاختصاص أيضا (١) إِلاّ انَّ منهج هذا الطرز من الاستدلال لإثبات الأوضاع اللغوية سليم في نفسه.
__________________
(١) يمكن أن يقال المبدأ هنا أيضا قائم بالذات لأنَّه شدة الإيلام لا شدة الألم وهو قائم بالعذاب أي الضرب ونحوه فانه بلحاظ صفة الألم يعتبر ذاتاً لا بمن يقع عليه الألم.