عن ذلك كما أنَّه لا يحتمل في حقّهم أَنْ يكونوا قد غفلوا عن مقتضى القاعدة الأولية المخالفة لتلك الفتوى لأنَّهم هم نقلته إِلينا بحسب الفرض خصوصاً إذا كانت تلك القاعدة واضحة مشهورة مطبقة من قبلهم في نظائر ذلك فلا بدَّ من وجود مأخذ على أساسه خرجوا عن مقتضى تلك القاعدة وذلك المأخذ المخصِّص لحكم القاعدة يتردد في بادي الأمر بين احتمالين ، أَنْ يكون هناك رواية عندهم قد استندوا إِليها ولم تصل إِلينا ، أو أمر آخر. إِلاّ انَّ الاحتمال الأول ساقط عادة إذ لو كانت توجد رواية كذلك عندهم فكيف لم يذكروها في كتبهم الفقهية الاستدلالية أو الروائيّة ، إذ من غير المعقول انَّهم جميعاً قد استندوا إلى رواية واضحة الدلالة على ذلك ولذلك أجمعوا على مضمونها ومع ذلك لم يتعرض لذكرها أحد منهم مع انَّهم قد تعرّضوا لروايات ضعاف لا يستندون إِليها سنداً أو دلالة في مجاميعهم الحديثية أو كتبهم الاستدلالية ، بل كيف يحتمل ذلك مع ملاحظة انَّ فتاواهم ومتونهم الفقهية كانت على حسب الروايات الواردة غالباً لا انَّها تفريعات وتشقيقات مستقلة كما في المتون الفقهية المتأخرة فكيف يفترض وجود رواية لم يجعلوا لها متناً في كتبهم فغفلوا عنها نهائيّاً؟ كلّ ذلك يوجب العلم عادة بسقوط هذا الاحتمال وبالتالي تعيين الاحتمال الآخر وهو انَّهم قد تلقّوا الحكم المذكور بنحو الارتكاز العام الّذي لمسوه عند الجيل الأسبق منهم وهم جيل أصحاب الأئمة عليهمالسلام الذين هم حلقة الوصل بينهم وبين الأئمة عليهمالسلام ومنهم انتقل كلّ هذا العلم والفقه إليهم ، وهذا الارتكاز ليس رواية محددة لكي تنقل بل هو مستفاد بنحو وآخر من مجموع دلالات السنة من فعل المعصوم أو تقريره أو قوله على إجمالها ، ولهذا لم تضبط في أصل معين وهذا هو التفسير الوحيد الّذي تلتئم به قطعياتنا الوجدانية في المقام وباعتبار انَّ هذه الافتراضات كلّها قريبة من الحسّ لأنَّ الارتكاز أمر كالحسّ وليس كالبراهين العقلية الحدسية فلا يقال لعلهم أخطئوا جميعاً في فهمه ، فلا محالة يحصل الجزم أو الوثوق بالحكم ضمن شروط وتحفظات لا بدَّ من أخذها بعين الاعتبار لتتم الحسابات الكاشفة ، ولعلّ دعاوى الإجماع من قبل بعض الأقدمين تحكي عن إجماع غير مكتوب حقيقته الارتكاز المذكور.
وعلى ضوء هذا الفهم تندفع الإشكالات المعروفة على التمسك بالإجماع نورد