ومنها ـ في محل الكلام حيث انَّه إذا استظهرنا انَّ النبأ موضوع للشرطية نفسها فكأنَّه قال ( النبأ إذا جاءكم فاسق به فتبيّنوا ) فلا مجال حينئذ لدعوى انَّ الشرطية مسوقة لتحقق الموضوع لأنَّ النبأ أخذ موضوعاً مقدر الوجود لأصل الشرطية ولا تكون القضية مسوقة لفرض تحققه فلا محالة يتعين أن تكون الشرطية لغرض صفة ثانوية وهو فسق المخبر وإناطة الحكم به فيكون اندفاع الإشكال المتقدم على هذا أوضح وثبوت المفهوم للجملة أجلى وأصرح (١).
ثمَّ انَّه بهذه المناسبة لا بأس بالاستطراد إلى بحث الفرق بين الموضوع في القضية
__________________
(١) كان اللازم إبراز وجه لهذا الاستظهار في المقام مع انَّ ظاهر الآية تقدم الشرط.
ثمّ انَّ تطعيم الشرطية بالحملية بفرض تقدم الموضوع على نفس الشرطية لا أثر له من حيث المفهوم إذا فرض انَّ ذلك الموضوع بنفسه موضوع للجزاء كقولك « زيد إذا جاءك فأكرمه » وانَّما يظهر أثره فيما إذا كان غير موضوع الحكم في الجزاء كقولك « زيد إِن جاءك فتصدّق على الفقير » فيدعى بأنَّ مفهوم الشرطية مربوط بوجود الموضوع المفروض لها فلا إطلاق له لحالة فقدانه ، وهذا المطلب انَّما يساعد عليه العرف فيما إذا كان الموضوع المتقدم بحسب المناسبات العرفية قيداً للشرطية نفسها كقولك « في النهار إذا جاءك زيد فأكرمه » فانه لا يدلّ على أنَّه إذا لم يجئه زيد في الليل فلا يجب إكرامه وامَّا إذا لم يكن قيداً للشرطية والتعليق فلا فرق بين تقدّم الموضوع وتأخره ومن هنا لا فرق عرفاً بين قولك زيد إذا جاءك فتصدّق على الفقير وقولك إذا جاءك زيد فتصدق على الفقير ومنه مثال إذا التقى الختانان وجب الغسل فانَّ مجرد تقديم الموضوع على الشرطية لا يقتضي تعليق الشرطية أو تقييدها به فتأمّل جيداً.
ثمَّ انَّ الّذي استظهره من مثل ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ان هذه الشرطية لا مفهوم لها لو قيل بالمفهوم في كلّ شرطية وذلك أولا ـ لأن هذا السياق بحسب المتفاهم العرفي منه سياق الشرطية المسوقة لتحقق الموضوع نظير ما إذا قال ( إذا أعطاك زيد ديناراً فلا تأخذه ) أفهل يمكن أن يقال انَّه راجع إلى قولنا ( الدينار إذا أعطاكه زيد فلا تأخذه ) الدال بالمفهوم على انَّه إذا أعطاكه غيره فخذه؟.
لا يقال : فلتكن الجملة بعنوان ( إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبيَّنوا ) لا بعنوان ( النبأ إذا جاءكم به الفاسق فتبيَّنوا ) فانَّه بناءً على ثبوت المفهوم لكلّ شرطية يكون مفهومها إذا لم يجئكم فاسق بنبإ فلا يجب التبين وهذا بإطلاقه شامل لما إذا جاء العادل بالنبإ. فانَّه يقال : الشرطية تقييد للنسبة الحكمية في الجزاء بين الحكم والموضوع فلا بدَّ من افتراض المفروغية بحسب ظاهر الجملة عن وجود موضوع محفوظ للحكم في المرتبة السابقة على الشرط ليعقل تقيده به وفي المقام حيث انَّ الجزاء لم يفرض فيه موضوع ثابت على كلّ حال بقطع النّظر عن الشرطية فلا تكون الشرطية ظاهرة في التقييد إِلاّ بانتزاع النبأ وجعله موضوعاً له ، وقد قلنا انَّه خلاف الظاهر بل تكون ظاهرة في انَّها مسوقة لتحقيق الموضوع ولو بحصّة خاصة منه وهذه النكتة بعد أَنْ ذكرناها للسيد الأستاذ قدسسره شرحها بتقريبين مبينين في المتن فلاحظ.
وثانياً ـ انَّ الأمر بالتبين في الآية ليس حكماً شرعياً وانَّما هو إرشاد إلى عدم الحجية شرعياً فكأن مفادها إذا جاءكم فاسق بنبإ فليس بحجة ومن الواضح انَّ مثل هذا المفاد مفاد إخباري لا إنشائي لأنَّه إخبار عن عدم ثبوت الحجية له شرعاً والجمل الشرطية لا يكون لها مفهوم إذا كانت إخبارية على ما تحقق في محلّه ، إذ لا يستبطن ذلك جعلاً وإنشاءً ليستفاد انَّه معلّق على الشرط لنجري فيه الإطلاق ، وهذا الكلام نحن ندّعيه في كلّ جملة شرطية جزاؤها نفي الحكم كما إذا قال : إذا جاءك زيد فلا يجب إكرامه فانَّه لا يدلّ على وجوب إكرامه إذا لم يجئ لنفس النكتة.