وجود مسوغات عقلائية تقتضي العمل بخبر الثقة في مقام تشخيص الوظيفة العملية وهذه المسوغات سواءً افترضنا نشأها عن استقرار عادتهم على الاكتفاء بخبر الثقة في مجال أغراضهم التكوينية أو استقرار بنائهم على حجيته في مجال الإدانة وتحميل المسئولية فهي على كلّ حال تشكّل للعرف العام عادة عقلائية تقتضي أو تعرض على الأقل العقلاء على الإقدام بالعمل بخبر الثقة ، فلو كان الشارع لا يرضى بذلك كان عليه أَنْ يردع عن مثل هذا الديدن ويمنع عن تعرض أغراضه الشرعية لمثل هذه العادة ، فيستكشف من عدم الردع الإمضاء بأحد التقريبات المتقدمة في مسألة حجية الظواهر ، كما انَّ عدم الردع نحرزه من عدم وصوله في مسألة من هذا القبيل توجد فيه مقتضيات الوصول ، وبهذا قد اتّضح انَّ الاستدلال بهذه السيرة لا يتوقّف على افتراض انعقادها على حجية خبر الثقة بعنوانه بل يكفي حصول العادة والطريقة بنحو يعرض أغراض الشارع إلى الخطر فيما إذا لم تكن طريقة مشروعة وتحقق هذه العادة لا ينبغي التشكيك فيها مهما شكك في مناشئها وجذورها.
التقريب الثاني ـ الاستدلال بالسيرة المتشرعية من أصحاب الأئمة عليهمالسلام وعلماء الطائفة ، فانَّه لا إِشكال في انَّ الروايات التي بأيدينا ليس رواتها كلّهم من الأجلاء الذين لا يحتمل في حقّهم تعمد الكذب كيف وفي الرّواة من ثبت كونه وضّاعاً دجّالاً كما شهد بذلك الأئمة عليهمالسلام في حقّ بعضهم وشهد بذلك النقّادون من علماء الرّجال وكبار الطائفة ، بل انَّ بعض الرّواة أيضا كان يتّهم بعضهم بعضاً ويكذبه ، وبين القسمين طائفة منهم كانوا وسطاً بين الطائفتين وهم أكثر الرّواة حيث لا يعهد انَّهم على تلك المرتبة العالية من التقوي والورع والضبط ولكن لا يعرف في حقّهم الوضع والدّس أو الكذب ، ولا إِشكال انَّ روايات مثل هذه الطائفة لم يكن يحصل منها العلم أو الاطمئنان والفقهاء وأصحاب الأئمة عليهمالسلام كانوا يواجهون هذه الروايات في أكثر المسائل الفقهية ، لأنَّ الأحاديث هي أساس الفقه وعماده عند جميع المذاهب الفقهية الإسلامية فلا بدَّ لهم من موقف تجاهها ولا يحتمل أَنْ يكون موقفهم تجاهها الرفض من دون استعلام حالها عن الإمام عليهالسلام إذ كيف يمكن افتراض ذلك مع انَّ العمل بخبر الثقة إِنْ لم يكن عقلائيّاً فلا أقلّ انَّه ليس مرفوضاً عقلائيّاً فكيف يفرض عدم استعلام حال حجيته