هو نفس القبح الأولي المحفوظ في موارد عدم الخطأ فلا محالة يستكشف كونه قبحا ثانويا طوليا (١).
واما الخطأ في الصغرى ، فالصحيح أخذ العلم وعدم الخطأ فيها في موضوع القبح ، فمن تخيل ان زيدا ليس هو الّذي أنعم عليه ، أو تخيل ان هذا ليس بحرام عند الله تعالى ـ وهذا من الخطأ بنحو التضييق ـ أو تخيل ان زيدا قد أنعم عليه أو ان هذا حرام عند الله تعالى ـ وهو التجري والخطأ بنحو التوسعة ـ لا يكون ارتكابه في الأول قبيحا ولا مستحقا للعقاب وفي الثاني قبيح يستحق عليه العقاب ، لأن العلم بالصغرى مأخوذ في موضوع الحكم بالقبح بمخالفة المولى ، بل هو تمام الموضوع فيه ـ كما تقدم في التصور
__________________
(١) هذه المنهجة في تحليل قضايا الحسن والقبح بناء على المسلك الأول يستلزم بعض المفارقات التي يصعب الالتزام بها وجدانا.
منها ـ وجدانية عدم قبح الفعل في موارد الخطأ بنحو التضييق كمن يعتقد بقاعدة قبح العقاب بلا بيان في الشبهات البدوية بعد الفحص خطا.
ومنها ـ أن يكون ذم العقلاء وحكمهم بالعقوبة غير مرتبط بقبح الفعل الّذي ارتكبه الفاعل أي لا يكون حكم العقل العملي بانبغاء العقوبة وصحة الذم مبنيا ومترابطا من حيث النكتة والحيثية بحكمه بعدم انبغاء صدور الفعل فهو بالرغم من حكمه بقبح الفعل لا يحكم بصحة العقاب والذم عليه وهذا خلاف الوجدان جدا فانه يقضي بان كل ما لا ينبغي صدوره ويقبح فعله يصح العقاب عليه ويذم فاعله بل لا يراد بالذم إلا نفي الانبعاث وليست العقوبة إلا تصعيدا له.
ومنها ـ يلزم ان من يخطأ في كبرى المولوية لشخص بنحو التوسعة كمن يتصور مولوية الزوجة فيخالفها يكون فعله قبيحا بل ظلما بعد إرجاع الظلم إلى القبح وعدم الانبغاء مع حكم الوجدان بعدم كونه ظالما لها وعدم قبح في فعله أصلا.
ولعل الأوفق أن يقال : بان القبح غير الظلم فهناك حكمان عقليان عمليان طوليان يشهد بتعددهما الوجدان :
أحدهما ـ الظلم وهو سلب الحق والّذي يكون بنفسه مدركا عقليا عمليا وهو عبارة عن السلطنة والولاية كحقيقة نفس أمرية يدركها العقل العملي على حد القدرة التكوينية التي يدركها العقل النظريّ.
الثاني ـ القبح وهو المعبر عنه بلا ينبغي أو استحقاق العقاب والذم ، والحكم العقلي الثاني أخذ في موضوعه العلم بالحكم العقلي الأول أي بالحق فمن لم يكن يعلم بحق الطاعة لشخص عليه سواء كان خطأ في كبرى الحق أو صغراه وخالفه فلا يحكم العقل بقبح مخالفته فالخطأ في الحكم الأول بنحو التضييق رافع لموضوع الحكم الثاني.
واما الخطأ فيه بنحو التوسعة فان كان في كبرى الحق كمن تصور ولاية الزوجة على الزوج فلا ينبغي الإشكال في عدم صدق الظلم بالمخالفة نعم تكشف المخالفة عن سوء سريرته واستعداده له حتى إذا كانت المولوية ثابتة واقعا. واما قبحه بملاك اخر ذاتي وهو قبح الإقدام على ما يتصور أنه ظلم على حد قبح الكذب مثلا ولو لم يكن ظلما على أحد فمبني على عدم إرجاع كل قبيح إلى قبح الظلم.
وان كان الخطأ بنحو التوسعة في صغرى الحق كما في مسألة التجري كان عمله ظلما وقبيحا لما تقدم من ان ملاك هذا الحق انما هو أدب العبودية والاحترام للمولى وهو يصادر ويهتك بمخالفة معلوم الحرمة لا واقع الحرام.
وان أبيت إلا من إرجاع الحكم الأول أعني الحق والسلطنة إلى الحسن والقبح بمعنى ينبغي له الأمر والإلزام قلنا بان حكم العقل العملي بانبغاء الإطاعة وقبح المخالفة على العبد مشروط بعلمه بالمولوية أي بأن الآمر ينبغي له الأمر والنهي وإحدى القضيتين غير الأخرى موضوعا ومحمولا فلا يلزم الدور ولا الخلف ولا يكون الفعل قبيحا في موارد الخطأ بنحو التضييق.