قوله تعالى : قول معروف ومغفرة خير من صدقة « الخ » المعروف من القول ما لا ينكره الناس بحسب العادة ، ويختلف باختلاف الموارد ، والاصل في معنى المغفرة هو الستر ، والغنى مقابل الحاجة والفقر ، والحلم السكوت عند المكروه من قول أو فعل .
وترجيح القول المعروف والمغفرة على صدقة يتبعها أذى ثم المقابلة يشهد بأن المراد بالقول المعروف الدعاء أو لفظ آخر جميل عند رد السائل إِذا لم يتكلم بما يسوء المسؤول عنه ، والستر والصفح إِذا شفع سؤاله بما يسوئه وهما خير من صدقة يتبعها أذى ، فإِن أذى المنفِق للمنفَق عليه يدل على عظم إِنفاقه والمال الذي أنفقه في عينه ، وتأثره عما يسوئه من السؤال ، وهما علتان يجب أن تزاحا عن نفس المؤمن ، فإِن المؤمن متخلق بأخلاق الله ، والله سبحانه غني لا يكبر عنده ما أنعم وجاد به ، حليم لا يتعجل في المؤاخذة على السيئة ، ولا يغضب عند كل جهالة ، وهذا معنى ختم الآية بقوله : والله غني حليم .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم « الخ » ، تدل الآية على حبط الصدقة بلحوق المن والأذى ، وربما يستدل بها على حبط كل معصية أو الكبيرة خاصة لما يسبقها من الطاعات ، ولا دلالة في الآية على غير المن والأذى بالنسبة الى الصدقة وقد تقدم إِشباع الكلام في الحبط .
قوله تعالى : كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ، لما كان الخطاب للمؤمنين ، والمرائي غير مؤمن كما ذكره الله سبحانه لانه لا يقصد بأعماله وجه الله لم يعلق النهي بالرئاء كما علقه على المن والأذى ، بل انما شبّه المتصدق الذي يتبع صدقته بالمن والأذى بالمرائي في بطلان الصدقة ، مع أن عمل المرائي باطل من رأس وعمل المانّ والمؤذي وقع أولاً صحيحاً ثم عرضه البطلان .
واتحاد سياق الافعال في قوله : ينفق ماله ، وقوله : ولا يؤمن من دون أن يقال : ولم يؤمن يدل على أن المراد من عدم ايمان المرائي في الإنفاق بالله واليوم الآخر عدم ايمانه بدعوة الانفاق الذي يدعو اليها الله سبحانه ، ويعد عليه جزيل الثواب ، اذ لو كان يؤمن بالداعي في دعوته هذه ، وبيوم القيامة الظاهر فيه الجزاء لقصد في فعله وجه الله ، وأحب واختار جزيل الثواب ، ولم يقصد به رئاء الناس ، فليس المراد من عدم ايمان المرائي عدم ايمانه بالله سبحانه رأساً .