محاربته إِياهم من طريق الفطرة وهو تهييج الفطرة العامة على خلافهم ، وهي التي تقطع انفاسهم ، وتخرب ديارهم ، وتعفى آثارهم ، قال تعالى : « وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا » الإسراء ـ ١٦ .
قوله تعالى : وإِن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ، ولا تظلمون ، كلمة وان تبتم ، تؤيد ما مر ان الخطاب في الآية لبعض المؤمنين ممن كان يأخذ الربا وله بقايا على مدينيه ومعامليه ، وقوله : فلكم رؤس أموالكم أي أُصول أموالكم الخالصة من الربا لا تظلمون بأخذ الربا ولا تظلمون بالتعدي إِلى رؤس أموالكم ، وفي الآية دلالة على إِمضاء اصل الملك أولاً : وعلى كون أخذ الربا ظلماً كما تقدم ثانياً : وعلى إِمضاء اصناف المعاملات حيث عبر بقوله رؤس أموالكم والمال إِنما يكون رأساً إِذا صرف في وجوه المعاملات وأصناف الكسب ثالثاً .
قوله تعالى : وإِن كان ذو عسرة فنظرة إِلى ميسرة ، لفظة كان تامة أي إِذا وجد ذو عسرة ، والنظرة المهلة ، والميسرة اليسار ، والتمكن مقابل العسرة أي إِذا وجد غريم من غرمائكم لا يتمكن من أداء دينه الحال فانظروه وامهلوه حتى يكون متمكناً ذا يسار فيؤدي دينه .
والآية وإِن كانت مطلقة غير مقيدة لكنها منطبقة على مورد الربا ، فإِنهم كانوا إِذا حل أجل الدين يطالبونه من المدين فيقول المدين لغريمه زد في أجلي كذا مدة أزيدك في الثمن بنسبة كذا ، والآية تنهى عن هذه الزيادة الربوية ويأمر بالانظار .
قوله تعالى : وان تصدقوا خير لكم إِن كنتم تعلمون ، أي وإِن تضعوا الدين عن المعسر فتتصدقوا به عليه فهو خير لكم إِن كنتم تعلمون فإِنكم حينئذ قد بدلتم ما تقصدونه من الزيادة من طريق الربا الممحوق من الزيادة من طريق الصدقة الرابية حقاً .
قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إِلى الله « الخ » ، فيه تذييل لآيات الربا بما تشتمل عليه من الحكم والجزاء بتذكير عام بيوم القيامة ببعض أوصافه الذي يناسب المقام ، ويهيىء ذكره النفوس لتقوى الله تعالى والورع عن محارمه في حقوق الناس التي تتكي عليه الحياة ، وهو ان أمامكم يوماً ترجعون فيه إِلى الله فتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
واما معنى هذا الرجوع مع كوننا غير غائبين عن الله ، ومعنى هذه التوفية فسيجيء الكلام فيه في تفسير سورة الأنعام إِنشاء الله تعالى .