فان قيل : إِن ترتب قوله : فما استيسر من الهدى ، على قوله : فمن تمتع ترتب الجزاء على الشرط مع ان اشتمال الشرط على لفظ التمتع مشعر بأن الهدى واقع بإِزاء التمتع الذي هو نوع تسهيل شرع له تخفيفاً فهو جبران لذلك .
قلت : يدفعه قوله تعالى : بالعمرة ، فإِن ذلك يناسب التجويز للتمتع في أثناء عمل واحد ، ولا معنى للتسهيل حيث لا إِحرام لتمام العمرة وعدم الاهلال بالحج بعد ، على أن هذا الاستشعار لو صح فإِنما يتم به كون تشريع الهدى من أجل تشريع التمتع بالعمرة إِلى الحج لا كون الهدى جبراناً لما فاته من الاهلال بالحج من الميقات دون مكة ، وظاهر الآية كون قوله : فمن تمتع بالعمرة إِلى الحج فما استيسر من الهدى إِخباراً عن تشريع التمتع لا إِنشاء للتشريع فإِنه يجعل التمتع مفروغاً عنه ثم يبني عليه تشريع الهدى ، ففرق بين قولنا : من تمتع فعليه هدى وقولنا تمتعوا وسوقوا الهدى ، وأما إِنشاء تشريع التمتع فإِنما يتضمنه قوله تعالى في ذيل الآية : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .
قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إِذا رجعتم ، جعل الحج ظرفاً للصيام باعتبار اتحاده مع زمان الاشتغال به ومكانه ، فالزمان الذي يعد زماناً للحج ، وهو من زمان إِحرام الحج إِلى الرجوع ، زمان الصيام ثلاثة أيام ، ولذلك وردت الروايات عن أئمة أهل البيت ان وقت الصيام قبل يوم الاضحى أو بعد إِيام التشريق لمن لم يقدر على الصيام قبله وإِلا فعند الرجوع إِلى وطنه ، وظرف السبعة إِنما هو بعد الرجوع فإِن ذلك هو الظاهر من قوله : إِذا رجعتم ، ولم يقل حين الرجوع على ان الالتفات من الغيبة إِلى الحضور في قوله إِذا رجعتم لا يخلو عن إِشعار بذلك .
قوله تعالى : تلك عشرة كاملة ، أي الثلاثة والسبعة عشرة كاملة وفي جعل السبعة مكملة للعشرة لا متمة دلالة على أن لكل من الثلاثة والسبعة حكماً مستقلاً آخر على ما مر من معنى التمام والكمال في أول الآية فالثلاثة عمل تام في نفسه ، وإِنما تتوقف على السبعة في كمالها لا تمامها .
قوله
تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد
الحرام ، أي الحكم المتقدم ذكره وهو التمتع بالعمرة إِلى الحج لغير الحاضر ، وهو الذي بينه وبين المسجد
الحرام