والوجود ( الفساد التكويني ) فإِن النشأة نشأة الكون والفساد ، وعالم التنازع في البقاء ولا كون إِلا بفساد ، ولا حياة إِلا بموت ، وهما متعانقان في هذا الوجود الطبيعي في النشأة الطبيعية ، وحاشا ان يبغض الله سبحانه ما هو مقدره وقاضيه .
وانما هو الفساد المتعلق بالتشريع فإِن الله انما شرّع ما شرّعه من الدين ليصلح به اعمال عباده فيصلح اخلاقهم وملكات نفوسهم فيعتدل بذلك حال الانسانية والجامعة البشرية ، وعند ذلك تسعد حياتهم في الدنيا وحياتهم في الآخرة على ما سيجيء بيانه في قوله تعالى : كان الناس أُمة واحدة .
فهذا الذي يخالف ظاهر قوله باطن قلبه اذا سعى في الارض بالفساد فإِنما يفسد بما ظاهره الاصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها ، وتغيير حكم الله عما هو عليه ، والتصرف في التعاليم الدينية ، بما يؤدي الى فساد الاخلاق واختلاف الكلمة ، وفي ذلك موت الدين ، وفناء الانسانية ، وفساد الدنيا ، وقد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال وركوبهم اكتاف هذه الامة الاسلامية ، وتصرفهم في امر الدين والدنيا بما لم يستعقب للدين الا وبالاً ، وللمسلمين الا انحطاطاً ، وللامة الا اختلافاً ، فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب ، ولا الانسانية الا خطفة لكل خاطف ، فنتيجة هذا السعي فساد الارض ، وذلك بهلاك الدين اولاً ، وهلاك الانسانية ثانياً ، ولهذا فسر قوله ويهلك الحرث والنسل في بعض الروايات بهلاك الدين والانسانية كما سيأتي انشاء الله .
قوله تعالى : واذا قيل له اتق الله اخذتة العزة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد ، العزة معروفة ، والمهاد الوطاء ، والظاهر ان قوله : بالاثم متعلق بالعزة ، والمعنى انه اذا أُمر بتقوى الله اخذتة العزة الظاهرة التي اكتسبها بالاثم والنفاق المستبطن في نفسه ، وذلك ان العزة المطلقة انما هي من الله سبحانه كما قال تعالى : « تُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ » آل عمران ـ ٢٦ ، وقال تعالى : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ » المنافقين ـ ٨ ، وقال تعالى : « أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا » النساء ـ ١٣٩ .
وحاشا ان ينسب تعالى شيئاً الى نفسه
ويختصه بإِعطائه ثم يستعقب اثماً أو شراً فهذه العزة انما هي عزة يحسبها الجاهل بحقيقة الامر عزة بحسب ظاهر الحياه الدنيا
( ٢ ـ الميزان ـ ٧ )