لا عزة حقيقية اعطاها الله سبحانه لصاحبها .
ومن هنا يظهر ان قوله : بالاثم ليس متعلقاً بقوله : اخذته ، بأن يكون الباء للتعدية ، والمعنى حملته العزة على الاثم ورد الامر بالتقوى ، وتجيبه الآمر بما يسوئه من القول ، أو يكون الباء للسببية ، والمعنى ظهرت فيه العزة والمناعة بسبب الاثم الذي اكتسبه ، وذلك ان اطلاق العزة على هذه الحالة النفسانية وتسميته بالعزة يستلزم امضائها والتصديق منه تعالى بأنها عزة حقيقية وليست بها ، بخلاف ما لو سميت عزة بالاثم .
واما قوله تعالى : « بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ » ص ـ ٢ ، فليس من قبيل التسمية والامضاء لكون العزة نكرة مع تعقيب الآية بقوله : كم اهلكنا من قبلهم « الخ » ، فهي هناك عزة صورية غير باقية ولا اصيلة .
قوله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله « الخ » ، مقابلته مع قوله تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله « الخ » يفيد ان الوصف مقابل الوصف أي كما ان المراد من قوله : ومن الناس من يعجبك ، بيان ان هناك رجلاً معتزاً بإِثمه معجباً بنفسه متظاهراً بالاصلاح مضمراً للنفاق لا يعود منه الى حال الدين والانسانية الا الفساد والهلاك كذلك المراد من قوله : ومن الناس من يشري نفسه « الخ » ، بيان ان هناك رجلاً آخر باع نفسه من الله سبحانه لا يريد الا ما اراده الله تعالى لا هوى له في نفسه ولا اعتزاز له الا بربه ولا ابتغاء له الا لمرضات الله تعالى ، فيصلح به امر الدين
والدنيا ، ويحيى به الحق ، ويطيب به عيش الانسانية ، ويدر به ضرع الاسلام ، وبذلك يظهر ارتباط الذيل بالصدر أعني قوله تعالى : والله رؤوف بالعباد ، بما قبله ، فإِن وجود إِنسان هذه صفته من رأفة الله سبحانه بعباده إِذ لو لا رجال هذه صفاتهم بين الناس في مقابل رجال آخرين صفتهم ما ذكر من النفاق والافساد لانهدمت أركان الدين ، ولم تستقر من بناء الصلاح والرشاد لبنة على لبنة ، لكن الله سبحانه لا يزال يزهق ذاك الباطل بهذا الحق ويتدارك إِفساد أعدائه بإِصلاح أوليائه كما قال تعالى :
« وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ
» البقرة ـ ٢٥١ ، وقال تعالى :