وإنّ أحضان الاُمهات مصنع الرجال العظماء ، ولهذا المعنى أشار سيد شباب أهل الجنّة عليهالسلام في خطبته التي ألقاها صبيحة يوم العاشر من شهر محرم الحرام علىٰ مسامع جيوش بني أُميّة الزاحفة صوب قتاله لاتمام الحجّة عليهم ولإظهار عزّة المؤمنين قائلاً :
« ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبىٰ الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجورٌ طابت وطَهُرت ، وأُنوفٌ حميّة ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام علىٰ مصارع الكرام » (١).
فذكر سلام الله عليه الدعامة الأُولىٰ لتربية الإنسان المسلم وسموّه ، وخصّها بتلك الحجور الطيبة الطاهرة التي فتح السبط عليهالسلام عينيه وهو في أحضانها ، وفي زيارته الشريفة : « غذتك يد الرحمة ، ورضعت من ثدي الإيمان ، ورُبّيت في حجر الإسلام » (٢).
أجل لقد قيّض الله سبحانه وتعالىٰ لهذه الأجساد النورانية ، والتي كانت أشباحاً (٣) معلّقة بقوائم العرش أن تهبط إلىٰ الأرض بسلام وأن تستقرّ في الصلب المبارك لآدم عليهالسلام ، ثُمَّ تنتقل إلىٰ الرحم الطاهر للسيدة حواء ، ثُمَّ انتقلت عبر الأزمان من أصلاب شامخة إلىٰ أرحام مطهّرة لتصل إلىٰ الصلب المبارك لسيد مكّة (عبد المطّلب) ثُمَّ انقسم النور إلىٰ شطرين ؛ فاستقرّ أحدهما في صلب
_____________
(١) مقتل الخوارزمي ٢ : ٦.
(٢) مصباح الزائر / ابن طاووس : ٢٣٩ (زيارة الحسين عليهالسلام ليلة ويوم عرفة).
(٣) الكافي ١ : ٤٤٢ / ١٠ باب مولد النبي صلىاللهعليهوآله وآله ووفاته ، من كتاب الحجّة.