صرخت الصديقة الزهراء من أعماقها بلوعة الأسى : « واأبتاه ... وامحمّداه ... واربيع الأرامل واليتامىٰ ، من للقبلة والمصلّىٰ ، ومن لابنتك الوالهة الثكلىٰ ... رُميت يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزية بالقليل ... » ثم قالت : « الثكل شاملنا ، والبكاء قاتلنا والأسى لازمنا ».
ثمّ زفرت زفرة وأنّت أنّة كادت روحها أن تخرج ، ثم قالت :
قلّ صبري وبان عنّي عزائي |
|
بعد فقدي لخاتم الأنبياءِ |
عين يا عين اسكبي الدمع سحّاً |
|
ويك لا تبخلي بفيض الدماءِ |
يا رسول الإله يا خيرة الله |
|
وكهف الأيتام والضعفاءِ |
قد بكتك الجبال والوحش جمعاً |
|
والطير والأرض بعد بكي السماءِ |
وبكاك الحجون والركن والمشعر |
|
يا سيدي مع البطحاءِ |
وبكاك المحراب والدرس للقرآن |
|
في الصبح معلناً والمساءِ (١) |
ولمّا أفاقت من غيبوبتها وجدت الناس كالبركان الثائر سكارىٰ من وقع المصاب حيارىٰ في أمرهم ، بينما انصرف جماعة من الصحابة إلىٰ سقيفة بني ساعدة يتداولون أمر الخلافة ، ناسين ما أوصاهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بابن عمّه أمير المؤمنين عليهالسلام وأنّه خليفته عليهم من بعده. حتى فرغ الإمام ومن معه من تجهيز الرسول صلىاللهعليهوآله وتغسيله ، ومن ثمّ دفنه حسب وصيّته الشريفة له في ذلك.
وكانت الزهراء عليهاالسلام في تلك الأحوال يُخشىٰ عليها من الموت ساعة بعد ساعة ، لكنّها تحاملت علىٰ نفسها ، وذهبت تسعى إلىٰ قبر أبيها صلىاللهعليهوآله ، فألقت بنفسها علىٰ القبر ، ووقعت مغشياً عليها ، ولمّا أفاقت من غشيتها صاحت ومن
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٧٥ ـ ١٧٧.