( الحديثين ) ، فإنّ نقله لهما وكذلك تعبيره عنهما بهذه الصفة يدلّ على ثبوتهما في السنّة القطعيّة الصادرة عن آبائه عليهمالسلام.
وهذا يعني أنّ التخيير في الحجّيّة المستفاد من قوله أخيرا : « فبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا » ناظر إلى أنّ الدليلين القطعيّين من جهة الصدور والسند يتخيّر المكلّف في الأخذ بأيّهما شاء لكونهما صادرين عنهم عليهمالسلام ، وبأيّهما أخذ كان صوابا أي أنّه مصيب لهذه السنّة حتما.
وهذا لا ينطبق على الدليلين الظنّيّين سندا ؛ لاحتمال كذبهما أو كذب أحدهما فلا يكون الأخذ بأيّهما شاء صوابا ، بل يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ أيضا.
إذا الظاهر من المكاتبة هو الاختصاص بالدليلين القطعيّين ؛ وذلك لوجود ميزة فيهما وهي صدورهما جزما من المعصوم ، فلعلّ الشارع يرى أنّ ذلك مرجّحا للتخيير بينهما ، بخلاف الظنّيّين سندا فإنّ احتمال الكذب فيهما أو في أحدهما على الأقلّ ينتفي فيه المرجّح المذكور ، ولذلك يحكم بتساقطهما وعدم جواز العمل أو الأخذ بهما أو أحدهما.
ومنها : مرسلة الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام في حديث قال : قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيّهما الحقّ ، فقال : « إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (١).
وهذه أوضح الروايات في الدلالة على التخيير في الحجّيّة بالنحو المدّعى ، إلا أنّها ساقطة سندا بالإرسال.
وقد تقدّمت بعض الروايات المستدلّ بها على التخيير في الحلقة السابقة (٢) مع مناقشة دلالتها.
ومن الروايات التي استدلّ بها على التخيير في الحجّيّة بين الدليلين الظنّيّين المتعارضين رواية ابن الجهم عن الرضا عليهالسلام حيث جاء فيها : « إذا لم تعلم
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ ، الحديث ٢٣٣ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ١٢٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٠.
(٢) في بحث التعارض ، تحت عنوان : الحكم الرابع قاعدة التخيير للروايات الخاصّة.