المحكوم مردّه دائما إلى قضيّة شرطيّة مؤدّاها في المثال المذكور : أنّه إذا كانت المعاملة ربا فهي محرّمة ، وكلّ قضيّة شرطيّة لا تتكفّل إثبات شرطها ، ولهذا يقال : إنّ صدق الشرطيّة لا يستبطن صدق طرفيها. ومفاد الدليل الحاكم قضيّة منجّزة فعليّة مؤدّاها في المثال نفي الشرط لتلك القضيّة الشرطيّة ، وأنّ معاملة الأب مع ابنه ليست ربا ، فلا بدّ من الأخذ بالدليلين معا.
ملاك الحكومة : ذكرنا أنّ الملاك والنكتة الموجودة في الدليل الحاكم هي الأساس الموجب لتقديمه على الدليل الحاكم ، ولكن يوجد اتّجاهان لتفسير هذه النكتة والملاك هما :
الاتّجاه الأوّل : ما ذكره الميرزا ومدرسته وحاصله كما في ( فوائد الأصول ) أن يقال : إنّ الدليل الحاكم يتقدّم على الدليل المحكوم ؛ لأنّه لا تعارض بينهما أصلا ، بحيث يرجع مفاد أحد الدليلين إلى نحو تصرّف في عالم التشريع في عقد وضع الآخر ، كما هو الغالب مع بقاء الموضوع على حاله في عالم التكوين.
وهذا التصرّف تارة يكون بنحو الرفع لموضوع الآخر كما في حكومة الأمارات على الأصول أو حكومة الأصول على بعضها.
وأخرى يكون بإدخال ما يكون خارجا عن الموضوع حقيقة من قبيل : « الطواف في البيت صلاة » ، حيث أدخل الطواف في الصلاة فكان حاكما على أدلّة الطهارة مثلا كقوله : « لا صلاة إلا بطهور ».
وإمّا بالتصرّف في عقد الحمل كقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(١) وكقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » بناء على كون الحرج والضرر من حالات الحكم لا الموضوع ، فإنّهما حاكمان على أدلّة الأحكام الأوّليّة.
وأمّا الوجه في تقديم الدليل الحاكم فهو أنّ الدليل المحكوم إنّما يثبت الحكم على فرض وجود موضوعه كما هو الشأن في كلّ القضايا الحقيقيّة ، والدليل الحاكم ينفي وجود الموضوع أو يثبته ، فلا يمكن أن يتعارض قولنا : ( أكرم العلماء ) مع قولنا : ( النحوي ليس بعالم ) أو ( المنجّم عالم ) ؛ لأنّ الدليل الحاكم دائما يتكفّل بيان ما لا يتكفّل بيانه الدليل المحكوم.
__________________
(١) الحج : ٧٨.