وقد أوضح السيّد الشهيد مراده من ذلك فقال : إنّ الدليل الحاكم يتكفّل شيئا جديدا إضافيّا لم يتعرّض له الدليل المحكوم ، وهو بيان أنّ هذا المورد موضوع أو ليس بموضوع ، بينما الدليل المحكوم يتكفّل ببيان القضيّة الشرطيّة ككلّ القضايا الحقيقيّة ؛ لأنّ مفادها وجوهرها القضيّة الشرطيّة.
ففي مثال الربا يكون الدليل المحكوم مفاده : ( أنّ المعاملة إذا كانت ربويّة فهي محرّمة ) ، أي يبيّن ثبوت الحكم على فرض ثبوت الشرط أو الموضوع ، ولا يتعرّض إلى أنّ الشرط في هذا المورد ثابت أو ليس بثابت ؛ لأنّ صدق الشرطيّة إنّما هو بصدق طرفيها في عالم جعلها لا في عالم الخارج والتكوين.
ولذلك لا يقع التعارض بين الدليلين ؛ لأنّ كلّ واحد منهما يتعرّض لمطلب لا يتعرّض له الآخر فيمكن الأخذ بهما ؛ لأنّه لا تنافي بين مفادهما أصلا لاختلاف الجهة في كلّ منهما.
وهذا الاتّجاه غير صحيح ؛ لأنّ دليل حرمة الربا موضوعه ما كان ربا في الواقع ، سواء نفيت عنه الربويّة ادّعاء في لسان الشارع أو لا ، والدليل الحاكم لا ينفي صفة الربويّة حقيقة وإنّما ينفيها ادّعاء ، وهذا يعني أنّه لا ينفي الشرط في القضيّة الشرطيّة المفادة في الدليل المحكوم ، بل الشرط محرز وجدانا ، وبهذا يحصل التعارض بين الدليلين ، فلا بدّ من تخريج لتقديم الدليل الحاكم مع الاعتراف بالتعارض.
ويرد على هذا الاتّجاه : أنّ ما ذكره من عدم وقوع التعارض بين الدليلين الحاكم والمحكوم غير تامّ ، بل التعارض واقع بينهما لا محالة وإن كان هذا التعارض غير مستقرّ ؛ لأنّه في النتيجة يتقدّم الدليل الحاكم على المحكوم.
أمّا وقوع التعارض بين الدليلين فلأنّ الدليل المحكوم مفاده ـ كما في مثال الربا ـ أنّه متى ما تحقّق الربا واقعا وحقيقة كان حراما ، أي ثبوت الحكم على تقدير ثبوت الشرط أو الموضوع واقعا.
والثبوت الواقعي للشرط أو الموضوع يشمل ما إذا كان هناك نفي تعبّدي للموضوع أو الشرط وما إذا لم يكن مثل ذلك ؛ لأنّه في كلا الموردين الربا متحقّق واقعا وإن نفاه الشارع في بعض الموارد ، إلا أنّ نفي الشارع له تعبّدا لا يعني انقلاب