الواقع وانتفاء الربا حقيقة ؛ وذلك لأنّ الربا معناه الزيادة الناشئة من المعاملة أو القرض ، وهذه الزيادة موجودة حقيقة وواقعا حتّى في المورد الذي ينفيه الشارع ؛ لأنّ الزيادة متحقّقة بين الولد وابنه وجدانا.
ومن جهة الدليل الحاكم فإنّه ينفي تعبّدا وادّعاء ثبوت الشرط أو الموضوع في هذا المورد أو ذاك ، ولكنّه لا ينفي ثبوت الشرط أو الموضوع حقيقة وواقعا ، ممّا يعني أنّ الشرط أو الموضوع لا يزال ثابتا في الواقع ، فالدليل الحاكم لا ينفي الشرط في القضيّة الشرطيّة وجدانا.
وعليه ، ففي الربا بين الوالد والولد الربا حقيقة موجود ؛ لأنّ الزيادة موجودة وجدانا ، وحينئذ يقع التعارض بين الدليل الحاكم الذي ينفي الحكم عن هذا المورد وبين الدليل المحكوم الذي يثبت هذا الحكم لهذا المورد.
ونحن وإن كنّا نشعر وجدانا بتقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم إلا أنّ هذا التقديم مسبوق بوجود التعارض بينهما ؛ لأنّ موضوعهما واحد في الخارج (١).
__________________
(١) هذا ما ذكره السيّد الشهيد هنا ، ويمكن أن يضاف إلى ذلك : أنّه لا يتمّ في مثل حكومة أدلّة نفي الضرر والحرج ؛ لأنّ أدلّتها ناظرة إلى نفي الحكم ، والأدلّة الأوّليّة ناظرة إلى ثبوت الحكم ، ممّا يعني أنّ الموضوع فيهما واحد وهو الحكم ، فأدلّة الضرر والحرج تنفيه بينما الأدلّة الأوّليّة بإطلاقها وعمومها تثبت الحكم حتّى في موارد الضرر والحرج ؛ فالتعارض واقع لا محالة ، ولا يمكن حلّه بما ذكره ؛ لأنّه ليس الدليل المحكوم ناظرا إلى القضيّة الشرطيّة بينما الدليل الحاكم ناظر إلى نفي أو ثبوت الموضوع أو الشرط ، بل كلاهما ناظران إلى الحكم نفيا وإثباتا.
مضافا إلى أنّ نفي الموضوع أو الشرط أو إثباتهما في الدليل الحاكم إنّما لا يوجب التعارض فيما إذا كان نفيا أو إثباتا حقيقيّا وواقعيّا ، كما هو الحال في دليل الأمارات مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإنّ ثبوت البيان في الأمارات إن كان حقيقيّا ارتفع موضوع القاعدة حقيقة ولا تعارض ، وإن لم يكن واقعيّا فالموضوع ثابت واقعا فيقع التعارض بينهما لا محالة.
وهذا معناه أنّ نفي التعارض يؤدّي دائما إلى النفي أو الإثبات الواقعيّين ، وهذا هو الورود لا الحكومة ؛ لأنّ الورود كما تقدّم ينفي أو يثبت الفرد أو الموضوع واقعا ، ولكن بلسان التعبّد أي طريقه هو التعبّد ؛ لأنّ النفي أو الإثبات الواقعيّين تارة يكونان من ذاتهما بأن كان هذا الفرد خارجا أو داخلا من ذاته كما في دخول العالم في قولنا : ( أكرم العلماء ) وخروج ...... الجاهل منه ، وأخرى يكونان بلسان التعبّد وعن طريق الشارع كما في ثبوت البيان والعلم بالأمارات والأصول ودخولهما في موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكما في خروج الشكّ بقيام الأمارات والأصول في مورده ، وبهذا يظهر أنّ هذا التخريج لا يكفي وليس تامّا لبيان النكتة والملاك في تقديم الحاكم على المحكوم.