الثالث : الحكومة المضمونيّة ، ومعناها أن يكون مضمون أحد الدليلين قد لوحظ فيه مضمون الدليل الآخر تقديرا ، كما في قوله : « لا ضرر ولا ضرار » الحاكم على أدلّة الأحكام الأوّليّة ، فإنّه قد افترض فيه أنّ تلك الأدلّة إن أدّت إلى حكم ضرري فهو منتف ، أي أنّه ناظر إلى مضمون الدليل المحكوم على فرض حصوله.
وهكذا بالنسبة لدليل : « لا ينجّس الماء ما لا نفس له » الحاكم على أدلّة النجاسة ، فإنّه يفترض أنّ تلك الأدلّة في حال تحقّق هذا المورد فتكون منتفية عنه ، أي أنّه ينفيها على فرض حصولها في هذا المورد.
وإذا قارنّا بين الاتّجاهين أمكننا أن ندرك فارقين أساسيّين :
أحدهما : أنّ حكومة الدليل الحاكم على الاتّجاه الثاني تتوقّف على إثبات النظر ، وأمّا على الاتّجاه الأوّل فيكون الدليل الحاكم بمثابة الدليل الوارد ، وقد مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) أنّه لا يحتاج تقدّمه على دليل إلى إثبات نظره إلى مفاده بالخصوص ، بل يكفي كونه متصرّفا في موضوعه.
الفارق بين الاتّجاهين : يوجد فارقان أساسيّان بين الاتّجاهين المذكورين في تفسير الملاك والمناط للحكومة :
الفارق الأوّل : أنّه على الاتّجاه الثاني الذي اختاره السيّد الشهيد يكون الملاك في الحكومة هو النظر ، ولذلك نحتاج إلى إثبات النظر بأحد الطرق المتقدّمة سابقا لتقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم ، وأمّا إذا لم يحرز النظر بأن قطع بعدمه أو شكّ فيه فلا حكومة بين الدليلين إمّا جزما وإمّا لكون الشكّ شكّا في الشبهة المصداقيّة.
وعلى هذا الاتّجاه نعرف أنّ الفارق بين الحكومة والورود يكون في أمرين :
الأوّل : أنّ الحكومة يشترط فيها النظر بينما الورود لا يشترط فيه النظر.
الثاني : أنّ الحكومة تنفي أو تثبت الموضوع ادّعاء وتعبّدا لا حقيقة ، بينما الورود ينفي أو يثبت الموضوع حقيقة.
وأمّا الاتّجاه الأوّل الذي اختاره الميرزا ومدرسته من كون الملاك في الحكومة هو أنّ الدليل الحاكم فيه خصوصيّة إضافيّة زائدة عمّا هو موجود في الدليل المحكوم ، فالمهمّ هو إحراز وجود مثل هذه الزيادة والإضافة سواء كان ناظرا إلى الدليل المحكوم أم لا ،
__________________
(١) في بحث التعارض ، تحت عنوان : الحكم الأوّل قاعدة الجمع العرفي.