بالآخر بأن يقال : إن بلت فتوضأ ، وإن نمت فتوضّأ وضوء آخر ، مع أنّ هذا التقييد لا يوجب تعيّن متعلّق البعث في مقام التعلّق ، فإنّ كلّ واحد من الإطلاقين له الشمول بالإضافة إلى كلّ واحد من الأفراد البدلية ، ولا يتعيّن بهذا التقييد فرد من الأفراد البدلية لأحدهما دون الآخر ، وإنّما يتعيّن لأحدهما في مقام الامتثال ، وهو مقام فعلية التطبيق ، فيكون فعلية التطبيق لمتعلّق البعث الآخر بفرد آخر.
وإذا لم يتضيّق دائرة المتعلّق في مرحلة وجود البعث ـ وهو مقام التعلّق ـ فوجود هذا القيد وعدمه من هذه الجهة على حدّ سواء ، وإنّما يفيد التقييد لمقام الامتثال وفعلية التطبيق ، وكما أنّ التقييد اللفظي يفيد هذه الفائدة لمقام الامتثال ، فكذلك فعلية بعث آخر تقتضي عقلا فعلية انبعاث آخر بفرد آخر ، وإنّما يتعارض الإطلاقان إذا كان لمتعلّقهما نحو من التعيّن بحيث يكون الواحد منبعثا عن
__________________
وأمّا بناء على التخيير الشرعي ، فنقول : إنّ الأفراد البدلية ـ المقدّرة الوجود الممكنة الصدور ـ لا تقبل الزيادة والنقص ، ونسبة الدليلين إليها نسبة واحدة من دون اختصاص لمقدار منها بأحدهما ، ومقدار آخر بالآخر ، فلا معنى أصلا للتقييد بالآخر إلاّ بإرجاع الآخرية إلى مرحلة التطبيق ، ومع إرجاعه إلى مرحلة التطبيق وإن كان التقييد به لفظا أوليا معقولا ، إلاّ أنه يدفع محذور استحالة التقييد ، واستحالة صدور معلول واحد عن علّتين مستقلّتين ، لا محذور اجتماع المثلين في مرحلة التعلّق مع فرض وحدة الأفراد البدلية.
ومنه تعرف أنّ التقييد بالآخر في نفسه محال ، لا أنه لا دليل عليه ، ومثل المثال المذكور في الحاشية إنّما يصحّ وجدانا ، ويقبل التقييد بالآخر ؛ لأنّ الحكم مرتّب فيه على وجود الطبيعة بنحو الوحدة ، لا على الأفراد البدلية ؛ ليكون معقولية التقييد فيه دليلا على ما نحن فيه ، كما أنّه لا يتعيّن في مثله صرف التقييد إلى مرحلة التطبيق.
نعم الإشكال يندفع : بأنّ تعارض الإطلاقين على التخيير الشرعي لا يوجب التعارض بقول مطلق ؛ إذ لا ملزم عقلا ولا لفظا للقول بالتخيير الشرعي هنا ؛ حتى يرد هذا المحذور ، فتدبّر جيّدا. منه عفي عنه.