وثانيا أن وجه عدّه الوجوه ثلاثة بملاحظة جعله وجوب الأخذ بأحد الاحتمالين بكلا قسميه قسما واحدا فلذا عطف أولا بعينه بكلمة أو دون الواو.
قوله (قدس سره) : ( والتوقف بمعنى عدم الحكم لشيء لا ظاهرا ولا واقعا ) (١).
بمعنى عدم الحكم بأن الله قد أباح كلا من الفعل والترك ظاهرا أو واقعا ، بل نقول إنه تعالى لم يبح شيئا في الظاهر وحكمه الواقعي أحد الأمرين من الوجوب أو الحرمة لكن العقل لما لاحظ أنه لا بد للمكلف من أخذ الفعل أو الترك وأنه لا يمكنه الجمع بينهما وتركهما جميعا فلا يتمكن من الاحتياط فحكم بأنه لا حرج عليه لا في الفعل ولا في الترك وإلا لزم الترجيح بلا مرجح.
وبالجملة فالعقل مستقل هنا بقبح المؤاخذة على شيء من الفعل والترك فيستكشف منه الغاؤه بكلا الاحتمالين بمعنى عدم تنجيزه شيئا منهما على المكلف لو كان هو الحكم المعلوم بالإجمال ، ومناط حكم العقل على هذا إنما هو عجز المكلف من الاحتياط وعدم تمكنه منه مع بطلان الترجيح بلا مرجح ، كما أن مناط حكمه بالبراءة الأصلية في الشبهات البدوية إنما هو صرف الجهل بالواقعة من دون النّظر إلى عدم التمكن من الاحتياط ، وكما أن مناط حكمه بالأخذ بأحد الاحتمالين لا بعينه في المقام على القول به إنما هو التحير فهو مخير في أول الأمر بين الأخذ بأيهما شاء إذا لم يكن أحدهما راجحا على الآخر وبعد الأخذ يلزمهم ما أخذه ولا يجوز مخالفته إذ يصير هو حينئذ على تقديره منجزا على المكلف وهذا هو الفرق بين التخيير والإباحة.
وأما إذا كان لأحدهما مرجح كما قد يدعى في المقام فيتعين الأخذ به بالخصوص دون التخيير.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٣٩٥.