أما في الصورة الأولي : فلأن الوجوب لما كان مشكوكا فهو غير منجز على المكلف فلم يبلغ حد التكليف أصلا ، فضلا عن كونه تكليفا بغير المقدور ، فالمكلف معذور في مخالفته ، وأما غير الحرمة (١) ـ الّذي هو الحكم الظاهري بالفرض ـ فلأنه لا يقتضي امتثالا أصلا إذا كان هي الإباحة ، ولا يقتضي تحتم الامتثال إذا كان هي الكراهة أو الاستحباب مثلا ، فلا يكون شيء منها مقتضيا لحتمية الامتثال ، حتى يكون تكليفا بفرض الاطلاع عليه ، فضلا عن كونه تكليفا بغير المقدور للمكلف مع أن الاستحباب الظاهري إن لم يكن مؤكدا للوجوب الواقعي فهو لا ينافيه جدا.
لا يقال : إنه هب أن النهي عن الواجب الواقعي تنزيها ليس تكليفا بغير المقدور لكنه طلب لغير المقدور ، ومن المعلوم أن طلب غير المقدور ولو مع الرخصة في مخالفة ذلك سفه وعبث ، فيكون قبيحا من هذه الجهة.
لأنا نقول : إن الوجوب الواقعي قبل اطلاع المكلف عليه لا يصلح لجعل الفعل غير مقدور [ الترك ](٢) للمكلف ، فإنه إنما يؤثر في غير (٣) مقدورية ترك الفعل إذا أثر منع المكلف فعلا من الترك ، وذلك لا يكون إلا بعد الاطلاع عليه ، والمفروض عدمه في محل الفرض ، كما أن الحرمة الواقعية لا تصلح لجعل الفعل غير مقدور الإيجاد إلا بعد الاطلاع عليها.
ومن هنا ظهر الحال في الصورة الثالثة أيضا.
وأما في الصورة الثانية : فلأن غير الوجوب والحرمة المفروض كونه حكما واقعيا خارج عن مرحلة التكليف مع الاطلاع عليه وغير قابل للتأثير في نفي مقدورية ترك الفعل أو إيجاده في تلك الحال ، فكيف بما إذا كان مجهولا؟! فلا
__________________
(١) في الأصل : ( غير الوجوب ) ، وهو من سهو القلم ، والصحيح ما أثبتناه.
(٢) إضافة يقتضيها السياق.
(٣) كذا في الأصل ، والصحيح : إنما يؤثر في عدم مقدورية.