يكون طلب الفعل حتما في مرحلة الظاهر تكليفا بغير المقدور.
ومن هنا ظهر حال الصورة الرابعة ـ أيضا ـ فلا نطيل الكلام بذكرها.
وأما إذا كان أحدهما الوجوب والآخر الحرمة فوجه عدم لزومه حينئذ ما مر : من أن الطلب الحتمي الواقعي ما لم يتنجز على المكلف لا يصلح لجعل الفعل ممنوع الترك أو الإيجاد فعلا : حتى يكون نطلبه أو طلب تكره طلبا لغير المقدور للمكلف (١).
وأما توضيح عدم لزوم الثاني على الإطلاق ـ ثم منع قبحه على تقدير لزومه في المقام ـ فبأنه إنما يلزم فيما إذا كان الحكم الواقعي هو الوجوب أو الاستحباب مع كون الظاهري هو الإباحة أو الحرمة أو الكراهة ، أو كان الحكم الواقعي هي الحرمة أو الكراهة مع كون الظاهري هو الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب ، أو كان الواقعي هو الاستحباب مع كون الظاهري غير الوجوب ، أو كان هي الكراهة مع كون الظاهري غير الحرمة :
أما في الصورة الأولى : فلأن إباحة الفعل كاشفة عن عدم المصلحة فيه ودالة عليه ، فكيف بتحريمه أو كراهته؟! فيكون كل منهما إخفاء لمصلحة الواقع على المكلف وتفويتا لها عليه.
__________________
(١) لا يتوهم : أن عدم فعلية طلب ـ أمرا كان ، أو نهيا ـ يوجب التجوز في الخطاب الدال عليه ، وهو الأمر أو النهي ، لأن صيغتي الأمر والنهي لم توضعا إلا لمجرد الطلب الحتمي الفعلي المتعلق بالترك أو الإيجاد ، ومن المعلوم أن ذلك موجود حال عدم تنجز الخطاب كوجود الإرادة والكراهة اللازمتين لهما ، والتنجز ليس من مدلول اللفظ ، بل هو أمر عقلي يترتب عليه بعد اطلاع المكلف عليه.
والحاصل : أنهما موضوعتان للطلب الفعلي ، لا للتكليف الفعلي الّذي يتوقف تحققه على اطلاع المكلف على الطلب ، فيما نحن فيه ـ إذا فرض كون الحكم الواقعي هو الوجوب والظاهري هي الحرمة ، أو العكس ـ الإرادة والكراهة وطلب الفعل وطلب الترك ، ـ أعني الإنشائيين ـ كلها فعلية ، والشأنية إنما تلاحظ بالنسبة إلى عنوان التكليف بالنظر إلى الواقع ، وهو ليس من مدلول الصيغة ، بل مسبب منه بعد الاطلاع عليه. لمحرره عفا الله عنه.