جعل الحكومة بين نفس الأدلة ونفس الأصول.
نعم جعله الورود بين أنفسهما ـ حيث إنه فرض الدليل قطعيا من جميع الجهات ـ في محله ، حيث إن الأدلة القطعية بنفسها رافعة للشك من غير حاجة إلى دليل اعتبار أصلا ، لأن القطع منجعل في نفسه.
ثم إن الظاهر من أدلة اعتبار الطرق والأمارات الظنية إنما هو اعتبارها على الوجه الرابع من الوجوه الأربعة المتصورة المتقدمة فيها (١).
نعم لا تظهر الثمرة بين اعتبارها على ذلك الوجه وبين اعتبارها على الوجه الثالث من تلك الوجوه من حيث الورود والحكومة على الأصول ، فإن الملحوظ فيهما إنما هو الاحتمال المخالف للطرق والأمارات الموافق للأصول.
وإنما تظهر الثمرة بينهما من جهة أخرى ، وهي كون الطرق والأمارات دليلا في إثبات الاحتمال الموافق لها على وجه تعارض ما يدل على نفي ذلك الاحتمال ـ بناء على اعتبارها على الوجه الرابع ـ وعدم كونها دليلا ، فلا تصلح لمعارضة ما يدل على نفي ذلك الاحتمال بناء على اعتبارها على الوجه الثالث.
وأما الأصول العملية فهي مختلفة.
فإن الظاهر من أدلة اعتبار الاستصحاب اعتباره على الوجه الأول من الوجوه المتقدمة فيها ، كما لا يخفى.
وأما أصالة البراءة فهي وإن كان ظاهر بعض أدلتها اعتبارها على ذلك الوجه ، لكن التأمل في مجموع الأدلة يقضي باعتبارها على الوجه الرابع.
وأما التخيير فهو من باب العقل ، والكلام في الأصول الشرعية ، وإن
__________________
(١) من غير فرق في الطرق بين اعتبارها من حيث الصدور إذا كان الصدور ظنيا ، أو من حيث الدلالة إذا كانت الدلالة كذلك ، أو من حيث وجه الصدور إذا كان هو كذلك ، فإن أدلة اعتبار السند وأدلة اعتبار الأصول اللفظية التي هي المنشأ للظهور ، وكذا أدلة اعتبار أصالة كون المتكلم في مقام بيان الواقع كلها خاصة بذلك. لمحرره عفا الله عنه.